في لحظة ما، تشدك آية أو بضعة آيات من القرآن، تترك أثرها فيك، ربما تقود تحولًا في حياتك، سمعت من أحد النزقين في البلاد، قبل أن أقرأ وأسمع عن الفضيل بن عياض، موقفه الأشهر الذي حوله من عالم اللصوصية إلى الزهادة والوَرَع.
كان الفضيل بن عياض لصاً، وذات ليلة، وبينما كان يتأهب لسرقة أناس ما، سمع صوت ـ مِن الذين سيسرقهم ـ يتلو هذه الآية: (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق، ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم..).. تمتم الفضيل متأثراً: بلى قد آن، بلى قد آن.. وتحول من لص إلى زاهد.. الآية التي وضعت ذكر الله بين خشوع القلب وقسوته، وسماعها وتدبرها في لحظة ما، كانت فاصلة بين حياتين..
أحد النزقين في البلاد، لم يكن يصلي، وذات يوم شتوي جاء إلى المقيل وقام يصلي وسط غرابة الموجودين..
ـ من متى؟
ـ من الفجر..
قال بأنه كان يتقلب على الفراش ولم يقدر على النوم، استمنى كي يُرهق وينام، ولكنه لم ينم، عند الفجر سمع الإمام يقرأ:
(...كل نفس بما كسبت رهينة * إلا أصحاب اليمين* في جنات يتساءلون * عن المجرمين * ما سلككم في سقر * قالوا لم نك من المصلين..) عن المجرمين، ما سلككم في سقر، قالوا لم نك من المصلين..
ـ الإمام فجعني.. قمت واغتسلت بماء كالثلج وصليت..
في رواية "ترمي بشرر" للكاتب عبده خال، أذكر أن البطل عاد وشدته هذه الآية: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم).
وهي الآية التي مر بها بطل رواية "تبادل الهزء بين رجل وماضيه" للكاتب محمود ياسين.. إذا لم تخن ذاكرتي في الروايتين..
أحد أبطال رواية نجيب محفوظ، أظنها "ميرامار" كان يقرأ سورة الرحمن، بين الفينة والأخرى..
بكل تأكيد، تحول الشخصية في الرواية، لا يحدث بآية أو آيات، ولكن في القرآن ما يقع على مسمع الشخصية فيهزها، أو يلفتها، تماماً مثل الواقع.
الأثر الكبير يأتي في لحظات تخضع فيها النفس لمراجعات، عند استشعار الذنب كما عند صاحب البلاد، أو عندما يخالف الإنسان فطرته ولكنه لا يتخلى عن مشاعره الإنسانية فتأتي اللحظة المفاجأة..
يتأثر من بدواخلهم بذرة اللين، حتى وإن ظهروا بصورة متوحشة، بهم حنين ليكونوا إنسانيين..
أما قساة القلوب، فلا تؤثر فيهم آية، ولا سورة.. ولا كتب السماء.. "ويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله"..
نحن في شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، ما هي الآية التي شدتك، وقفت عندها، شعرك بأنها أثرت أو ستؤثر فيك، إذا لم تكن هناك آية أحسست أنها تخاطبك، أو أثرت فيك، فاقرأ وركز من الآن، مازال هناك أيام وليال من الشهر الفضيل، وإذا كنت لا تقرأ، فلا شك أنك تسمع، وكل مواقف التأثير جاءت من الاستماع!.
أو لم يقل النبي: (أحب أن أسمعه من غيري)..
اقراء أيضاً
شقة "لوكس"
القصة التلفزيونية في اليمن
والذين لا يسألون الناس