كان اليمنيون متحمسون لمواجهة مليشيا الحوثي عندما أكملت سيطرتها على صنعاء وبعض المحافظات تشكلت مقاومة شعبية. معظم المواجهات كانت على هذا النحو بصورة جزئية قبل الانتفاشة الكبيرة، واجه الحوثي السلفيين في دماج، واجهته القبائل، وفي معظم الأحيان كانت الصحف التي تختلف سياسياً مع التجمع اليمني للإصلاح، تعلن أن الحوثي يواجه الحزب. حتى أتت اللحظة التي يواجه فيها اليمنيين كلهم..
من امتلك بندقيةً حملها ونشر صورته متفاخراً بمواجهة مليشيا الحوثي.. كان الزخم في بدايته مشجعاً، ورغم أن المليشيا كانت في ذروة غطرستها وامتلاكها للسلاح بعد السيطرة على المعسكرات وتحالفها مع الرئيس الراحل علي صالح، إلا أن توحد اليمنيين حشرهم في الزاوية، الجميع يواجه ويتفاخر، الجيش والمدنيين، المشائخ والرعية، الأفراد والجماعات، الأحزاب والمكونات. «حين تسمع طلقة الخصم لا تملك إلا أن تحمل بندقيتك وتذهب لمساندة صاحبك، وهكذا»..
تتخذ الحروب طابعاً شعبياً للقضاء على العصابات الكبيرة التي تجتاح البلدان، أو من أجل الصمود في وجهها وإرهاقها، وتأطيرها بالطابع الرسمي يفقدها الزخم الشعبي أو يدني مستوياته، لو كانت المؤسسات الرسمية متينة لما قامت الحرب أصلاً..
بدأت عملية التأثير على معركة اليمنيين ضد الحوثي، بصبغ المواجهة بالهيكل الرسمي لإضفاء الطابع العسكري عليها، العملية هذه هدفها الظهور أمام المجتمع الدولي ظهوراً لائقاً. «في الحرب اجمع من حولك، أنت قوي بالمجتمع المحلي في الأساس، لن يسندك المجتمع الدولي بأكثر من بيانات الإدانة»!.
وهكذا انشغلنا بتنظيم الصف أكثر من مواجهة الحوثي. وفي الأثناء انتبهنا للكثير من السفاسف التي تخيف المدنيين، وصار الجميع مهتماً بالقبول الدولي وإبعاد نظرته عليك كمسلح يواجه أرعن مليشيا في التاريخ اليمني ـ لها رعاة لا يحظون بأي قبول في العالم، ولديهم طموحات تتجاوز المحلية..
بدأ بعض المدنيين يبتعدون عن ضوء المواجهة المباشرة مع الحوثيين، كي لا نُصنف. انتقلت موضة إرضاء المجتمع الدولي إليهم.. مع انهماكنا بتنظيم الصف بطريقة عسكرية، بدأ ننشغل بأحلام غير المواجهة، كيف نصل إلى العالم دون عرقلة، ومن هنا أتت الفكرة: لا تنشر صورتك وأنت تحمل السلاح. وأتى هذا التنبيه مصاحباً لمعايير مواقع التواصل الاجتماعي، مثل فيسبوك..
مع تقدم الطابع الرسمي صار بعض المدنيين الذي حاربوا الحوثيين بحماسة، مسكونين بـ "إرضاء المجتمع الدولي" و "إبعاد النظرة عليك كمسلح في المطارات" و "الفزعة والنكز.. الصفحة ثقيل". وليت الأمور توقفت هنا، صرنا مؤمنين بذلك حقيقة، ولهذا بدأ الحس النقدي يرتفع تجاه الأبطال ومن ثم التشويه..
تستعير بندقية وتواجه مليشيا الحوثي الإيرانية، انتبه، سيؤثر هذا على مستقبلك في مطارات العالم، والمجتمع الدولي سيتوقف عن إسنادك ببيانات الشجب والتنديد. بعد أن وصلت لهذه المرحلة، ستشعر أنك انسلخت عن واقعك، أن المعركة ليست معركتك، أنت مدني، مواجهة المليشيا عليها أن تسير بخط عسكري رسمي. يتدنى تفاعلك مع الأبطال إلى أسوأ مستوياته، أنت.. أنتِ.. أنا.. هو.. هي. نتكاثر ونصنع الموضة.. نحن في عالم بعيدين عن المعركة.. يجب أن نبقى بعيدين، المجتمع الدولي يتربص بنا، وشُرط الجوازات ستُدَقِّق في جوازاتنا حين نعمل لفة حول العالم.. ياللسذاجة!.
ما يحدث في أوكرانيا، يعلمنا أن الرهاب من المجتمع الدولي وهم.. المجتمع الدولي يشجعك حين تقف بشموخ أمام عدوك، حين تعرف تُسوِّق دفاعك. «أنت بطل ما دامت مهمتك دفع الشرور عن الناس والأرض».
الزخم الشعبي يعطيك القوة التي تربك الخصم وتجعله يشك بقدراته الهائلة.
ملكة جمال في أوكرانيا تحمل السلاح.. ممثلون يقاتلون.. الجيش ينشيء مراكز تدريب للمدنيين.. الدفاع توزع الأسلحة على المواطنين، الصورة تعلمنا ألا نخاف.. أن نحارب لإيجاد دولة.. وبعدها تأتي المطارات..
اقراء أيضاً
شقة "لوكس"
القصة التلفزيونية في اليمن
والذين لا يسألون الناس