لم يكن الحديث عن السلام قد انتهى، عندما أطلق الحوثيون صواريخهم الباليستية ومسيراتهم على المدنيين في مأرب، حاصدة أرواح 31 شهيدا، وكاشفة حقيقة السلام الذي يريد الحوثيون فرضه على الخريطة اليمنية.
السلام على الطريقة الحوثية، يبدأ من القبول بأحقيتهم فيما اغتصبوه من سلطات الدولة، والعفو عما اقترفوه من جرائم، وتمهيد الطريق لهم لحكم اليمن والسيطرة على رقاب الناس، تحت مسمى الشراكة السياسية، ولافتات الأخوة المزعومة.
هل يمكن لثكلى فقدت ابنها، وأرملة فقدت زوجها، وأب مكلوم، وطفلة يتيمة، ومضطهد صودرت ممتلكاته، أن ينظر إلى المجرمين الحوثيين كإخوة له في الوطن الواحد بعد كل ما اقترفوه؟ هذا ظلم كبير، ولايمكن لعاقل أن يدعس على مشاعر الضحايا، في سبيل التصالح مع الحوثيين، إلا إذا كان فاقدا للضمير، أو منساقا وراء سراب يظنه بردا وسلاما.
إن أي سلام مع عصابة الحوثي يجري الحديث عنه، أو السعي لفرضه، دون إنصاف الضحايا، والاقتصاص من القتلة، والانتصار لمبدأ العدالة، لن يكون بأفضل من المبادرة الخليجية التي أطاحت بحق الضحايا في مقاضاة قاتليهم، بل ومنحت القتلة فرصة لترتيب أوراقهم والعودة للعبث من جديد، عبر بوابة الحوثيين الذين يريد بعض مرضى النفوس التصالح معهم الآن بأي ثمن.
وبالحديث عن مفهوم الأخوة الذي يجري من خلاله تسويغ قتل اليمني لليمني، وأن ماحدث خلال السنوات الماضية لم يعدو عن كونه صراع إخوة لابد أن ينتهي بالتصالح، إن مثل هذا الحديث السمج يعلي من قيمة الانتماء الجغرافي أو الوطني، على حق الضحايا في الاقتصاص من جلاديهم، ويحاول مروجوه التهوين من جرائم الحوثيين باعتبارها صادرة من إخوة يمنيين، وكأن صلات القربى والنسب، مبررا لإسقاط حق القصاص، وإنصاف المظلومين.
هل كان الحوثيون يؤدون حق الأخوة، عند محاصرتهم لمئات ألوف المواطنين في مدينة تعز، وعند سحق بيوتهم وأرواحهم بالقصف المدفعي، وبنيران القناصة؟ هل كانت الصواريخ البالستية التي أفحمت أجساد المدنيين في مأرب، وأرعبت الآخرين رسالة سلام وأخوة، أساء أبناء مأرب فهمها؟ هل كان انقلابهم على مؤسسات الدولة وتسببهم بواحدة من أسوأ الكوراث الإنسانية في العالم، نوعا من المزاح الأخوي الذي لم يكن القصد منه الإضرار، ومن ثم يجب التسامح معه؟
إن الحديث عن السلام من هذا المنظور، ليس سوى دعوة لليمنيين لأن يكونوا ابن آدم المقتول، ويمدوا أيديهم لابن آدم القاتل، ليستمر في نحرهم دونما هوادة، ومصادرة حقوقهم دونما حساب، فدائرة الأخوة المزعومة رحبة، تتسع لتشمل القاتل والمقتول دونما تفريق!
اقراء أيضاً
سطا الحوثيون على قريتي... فصرنا غرباء
الجريمة في ظل اللادولة
موسم الهجرة القسرية