مع كل هجوم يشنه الكيان الصهيوني على أبناء غزة، تبرز جملة من المواقف الناشزة التي تحمّل الفصائل الفلسطينية مسؤولية الدماء والمجازر التي ينفذها الصهاينة.
يزعم أصحاب هذه المواقف أنه لولا وجود صواريخ تطلق من قطاع غزة باتجاه الأراضي المحتلة، فإن إسرائيل ماكان لها أن ترد بقصف غزة، والتسبب بسقوط ضحايا، وبهذه السردية المثيرة للقرف تكون إسرائيل في موضع دفاع عن النفس لا كيانا تأسس على القتل والجريمة منذ أزيد من سبعة عقود.
تحميل الذنب على الضحية وتبرئة الجلاد، هو عين ما صنعه الطغاة العرب وأتباعهم، عندما اندلعت الثورات العربية، إذ قمع الطغاة الشعوب الثائرة ومارسوا ضدها القتل والإرهاب والتعذيب والتهجير، ثم حملوها مسؤولية ما جرى لها، بسبب قرارها في التصدي للطغيان. ولهذا لا يستغرب أن يكون لخطاب الانحياز للمجرم وإدانة الضحية رواجا بين أتباع الأنظمة العربية ودعاة التطبيع والسلام مع المحتلين والطغاة، فجميعهم يسيرون في قارب واحد لا مكان فيه للمستضعفين.
ومع وجود علاقات معلنة وسرية بين الكيان وأنظمة عربية، أصبحت مسألة المقاومة الفلسطينية للاحتلال، مزعجة لهذه النظم التي ترى أن أي موقف منها يؤيد مبدأ المقاومة يعنى اعترافا منها بأحقية شعوبها في مقاومتها والتصدي لها، ولهذا لم يعد يهم كثيرا الاستثمار في عواطف الشعب واجترار خطابات التنديد، بقدر ما يهم التركيز على ضمان استمرارية الحكم، من خلال ضخ مفاهيم السلام والدعوة للتعايش والحوار، وتحميل المقاومة كمبدأ المسؤولية عن وحشية المعتدي.
وبمناسبة الحديث عن قضية المقاومة، لا أنسى أن أشير إلى الدور الإيراني القذر الذي شوّه هذا المصطلح إلى درجة أن ذكره أصبح يثير القرف عندما تردده الألسن الإيرانية وألسن وكلائها في البلدان العربية، ذلك أن هذا المصطلح، يرتبط في الذاكرة العربية، بمحو وتدمير مدن سنية بالكامل، وتصفية ممنهجة وتهجير لملايين السنة في العراق وسوريا واليمن، الذين كانوا ضحايا للمقاومة على الطريقة الإيرانية، والحقيقة أن علاقة إيران بمصطلح المقاومة، كعلاقة فيلق القدس بقضية القدس؛ تشابه في الأسماء فقط.
سيبقى التصدي للاحتلال ومقاومة الطغاة ومقارعتهم بكل وسيلة ممكنة، هو الخيار الأنسب لكل المستضعفين في الأرض سواء في فلسطين أو غيرها من بلدان المسلمين، ومهما جرى إدانة جهاد المستضعفين وشيطنة مقاومتهم، فهذا يجب ألا يكون سببا للتخلي والركون إلى الظالمين والخضوع لسلطانهم، ودائما مايكون ثمن الاستكانة أعلى بكثير من ثمن المقاومة.
اقراء أيضاً
سطا الحوثيون على قريتي... فصرنا غرباء
الجريمة في ظل اللادولة
موسم الهجرة القسرية