منذ سقوط الخلافة العثمانية، ونحن نعيش تحت وطأة الهيمنة الغربية في مختلف مناحي الحياة السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية، وهذه الأخيرة تبدو أكثر خطرا بالنظر إلى حالة الاستلاب الثقافي التي مررنا ومازلنا نمر بها.
تتعزز حالة الاستلاب الثقافي لصالح الثقافة الغربية بشكل تصاعدي مع مرور الوقت، وإذا كانت ثمة دول عربية أصيبت بهذه الحالة في وقت مبكر، فإن ثمة دول أخرى أصيبت بهذه الحالة في مراحل متأخرة، وظهرت أعراضها في السنوات الأخيرة.
تعد اليمن والسودان والسعودية، من الدول المتأخرة التي طالتها حالة الاستلاب الثقافي، والإعجاب بالثقافة الغربية، وبالتأكيد فإن التطورات المفصلية في هاته البلدان، كان لها التأثير الأبرز في تسريع إلحاقها بركب الاستلاب الثقافي، مع وجود تفاوت في حالة الاستلاب.
في اليمن، أدت الحرب، وما تلاها من متغيرات إلى حضور المنظمات الدولية التي ساهمت كثيرا في إحداث حالة من الانفتاح الثقافي، وإعلاء الحضور النسوي في سوق العمل وتشجيع الاختلاط بين الجنسين، من خلال قوانين عملها المتفقة كليا مع الثقافة الغربية.
وبالتوازي مع النمط الجديد للحياة الذي أسهمت المنظمات بدور فاعل في صناعته، أدت حالة الانفتاح الثقافي اللامسؤول عبر المنصات الاجتماعية، إلى بروز الإعجاب بالمنتوج الثقافي الدخيل في مقابل تراجع الثقافة الأصيلة، وغياب كبير للخطاب الديني الذي شكل سدا منيعا في حماية الثقافة المحافظة للمجتمع اليمني خلال العقود الماضية.
هناك اعتقاد بدا يشيع لدى فئة لابأس بها من الناس، وهو أن حماية المجتمع من الاستلاب الثقافي، إنما تقع حصرا على الدعاة والعلماء وأئمة المساجد، وتزايد هذا الاعتقاد الخاطئ يمهد الطريق لسقوط المجتمع في وحل الثقافة الدخيلة بكل يسر، فضلا عن أنه يحصر مهمة الإصلاح الثقافي بشكل ضيّق في فئة معينة، أضحت معرضة للشيطنة بشكل ممنهج يتماشى مع موجة الاستلاب الثقافي التي تكتسح أكثر من دولة، واليمن واحدة منها.
إن مهمة الأسرة المربية المسؤولة، أضحت تكاد تكون ترفا في عصر العولمة الثقافية، واستبدلت بمفاهيم الحرية الشخصية وخصوصية الأبناء، وأصبح أي تدخل من الأسرة في سلوك الأبناء يصنف في إطار هذه المفاهيم لا في جانب المسؤولية والمتابعة التربوية، وهذا الانقلاب المفاهيمي سيكون له تداعيات كارثية إن لم يجر معالجته بما يعيد الأمور إلى نصابها.
وحتى المكاتب الثقافية الحكومية ووسائل الإعلام المحلية، فإنها تشكّل جزءا من عملية سلخ ثقافة المجتمع، وتعزيز حالة الاستلاب الثقافي، من خلال أنشطة تعزز من حالة الترفيه والترويج للثقافة العصرية، ودعوة المجتمع -بطرق غير مباشرة- للتخلي عن الثقافة الأصيلة باعتبارها مجموعة تقاليد بالية لا تناسب العصر.
ودعاة الاستلاب الثقافي من الذكاء، بحيث لا يمكن أن يصرحوا أن أهدافهم هي فرض الثقافة الغربية، وإنما يتحدثون عن ضرورة الانفتاح الثقافي والتعايش مع الثقافات الأخرى، والالتحاق بركب العصر، وإلغاء التمييز الظالم بين الرجل والمرأة، ومنح المرأة مساحة حرية أوسع لإثبات شخصيتها ”المستقلة“ بعيدا عن سطوة ”التقاليد المتشددة“، وهذه الأهداف ليست مجرد تنظير، إنما مصحوبة بأنشطة عملية، عمادها المال الذي يستخدم بسخاء لإقناع المجتمع بقبول هذه الأهداف.
إن معاناتنا من ضراوة الحرب الحوثية، ومؤامرات التحالف العسكري الداعم للشرعية، لا يجب أن تغفل أعيننا عن موجة حلول ثقافة مستوردة في أنماط حياتنا، وتعدٍ ناعمٍ على عقيدتنا، وهذا التحدي هو الأخطر، إذ إن استلاب ثقافتنا يعني أننا أصبحنا موتى ثقافيا، ولا قيمة لحياتنا ان استمرت بثقافة مستوردة وروح دخيلة.
اقراء أيضاً
سطا الحوثيون على قريتي... فصرنا غرباء
الجريمة في ظل اللادولة
موسم الهجرة القسرية