اختلطت مشاعر ملايين اليمنيين حزنًا وفرحًا وهم يشاهدون عودة مئات الأسرى والمختطفين إلى ذويهم بعد سنوات من الغياب عنهم، ورغم الاختلاف بين وضعية أسرى الحوثيين الذين لاقوا معاملات خاصة، بدت جلية على ملامحهم عند عودتهم، حتى أن واحدًا منهم لم يُرى وهو يتكئ على عكازه، وهذا يُحسب للحكومة الشرعية، ومسؤولي السجون الذين أحسنوا المعاملة طوال السنوات الماضية، وبين أسرى ومختطفي الحكومة الذين عاد جلهم على عكازه، ومنهم من عاد في وضع نفسي سيء للغاية؛ بفعل المعاملة الوحشية من قبل الأجهزة الوقائية للمليشيا الحوثية، والتي عملت على تسخير كافة آلاتها التعذيبية في النيل من المختطفين المدنيين الذين لم يشاركوا في أي معركة عسكرية، على عكس أسراهم الذين تم أسرهم خلال مواجهات عسكرية في عدد من الجبهات.
1081 أسيرًا ومختطفا رأوا النور من الجانبين، بعد مخاض تفاوضي عسير تكلل بالنجاح، ومثل خطوة للأمل، يمكن البناء عليها لسلام طال انتظاره، ودون شك لا نثني مليشيا الحوثي من هروبها المستمر وتلكؤها عن إتمام الصفقة، والعمل على تنفيذها كإحدى البنود المتفق عليها في استوكهولم، وما ترتب على ذلك من لقاءات مكوكية في الأردن، بعيد اتفاق استوكهولم ليصل الطرفان إلى طريق مسدود، بفعل التعنت الحوثي وإملاءاته التي حاول فرضها بما يناسب هواه، ولكنه فشل في ذلك، قبل الانفراجة التي حدثت الأسبوع الماضي، وتفاعل معها اليمنيون بشكل منقطع النظير، كحدث مشترك، إذ احتفت صنعاء وعدن والحديدة ومأرب وتعز، في سياق مبهج، قل مثيله خلال فترة الحرب.
استبشارنا بعودة المختطفين من مناطق سيطرة الحوثيين والذين اختطفوا بشكل تعسفي وتعرضوا لأصناف العذاب والتنكيل خلال ست سنوات ماضية، كسره حديث أسرى الحوثيين الذين توعدوا مأرب فور وصولهم برد الجميل بطريقتهم التي يجيدونها، وكأن السنوات التي نعموا خلالها بمعاملة حسنة، ولاقوا كل ما طلبوه، حتى على مستوى التأهيل والتدريب، لم يفرق معهم، ولم يترك في نفوسهم أثرًا، وقد حشوا أذهانهم بأفكار غليظة، لا تمت للحياة بصلة، لكننا رغم ذلك نؤمن بمبادئنا السامية، التي تجعل أولوية للقيم الإنسانية المثلى، وهو ما بدا جليًا على أسرى الحوثيين، وأكد بأن هناك دعاة للحياة والسلام، لا كما فعل الحوثيون بأسرى الشرعية مؤكدين أنهم أهل موت وحرب.
من الجميل أن نتطلع لعمليات تبادل أخرى، والأجمل أن هذه الخطوة فتحت نوافذ للأمل بالوصول إلى تفاهمات يبنى عليها سلام ينهي هذه الحرب العبثية، ويؤسس لدولة تقبل الجميع دون استثناءات مناطقية أو مذهبية أو سلالية، وبعيدًا عن حالة الإقصاء التي شرعنوا لها، وبنوا عليها توجهاتهم، ولا غرابة أن تكون المليشيا ومن يقف وراءها بهذا التفكير الأهوج، الذي لا يؤمن بالتعايش ولا بالتماسك الاجتماعي، بل يضربه ويصيبه في مقتل، تمامًا كما فعلوا بنا اليوم.
سمو اللحظة، ومشاعر ملايين اليمنيين تستحق أن تمنح فرحة أخرى، تنهي سنوات العذاب والحزن، وتعيد لهم بريقهم المصادر، حيث لا حرب ولا قتال ولا ألم، وسنصل إلى ذلك حتمًا، حين نكون بعيدين عن تجاذبات محيطنا المتخم، الذي يقرر باسمنا، ويفعل بنا ما يحلوا له، دون رادع.
اقراء أيضاً
تهامة.. خارج الحسبة الحكومية
حكومة بلا أجنحة
مبعوث السلام المستحيل