مثلت اتفاقية تبادل الأسرى بين الحكومة الشرعية ومليشيا الحوثي خطوة للأمل لدى كثير من اليمنيين، في ظل انسداد أفق الحوار البيني منذ اتفاق ستوكهولم المجمد أواخر 2018، ومنذ ذلك الحين تعبث مليشيا الحوثي بالساحة اليمنية تنكيلًا وتعذيبا، حتى أنها لا تنفك عن اختلاق صور جديدة لحربها المتنوعة على كافة المستويات، وبالشكل الذي يعزز من حضورها السلالي الكهنوتي، ويقدمها كما عرفناها عصابة مليشاوية، لا يروق لها أن تمضي الأمور على طبيعتها دون منغصات، بل ومن صميم عملها -كما يرى قادتها- أن تعقّد الوضع، وتصطنع الأزمات بأشكالها.
بالأمس أمطر الحوثيون أحياء تعز الشرقية بعشرات القذائف خلال الساعات الأولى لأول يوم دراسي، في رسالة مفادها الرفض لأي إجراء يثبت انتماء هذه المدينة لمشروع الحياة على حساب مشاريع الموت التي يسوقها الحوثيون من حين لآخر.
انتظر الطلاب هذه اللحظة بشغف كبير، بعد توقف قسري فرضه فيروس كورونا، وإجراءات احترازية أخرى اتبعتها وزارة التربية والتعليم التابعة للحكومة الشرعية، من باب مسؤوليتها تجاه مئات الآلاف من الطلاب، على العكس تمامًا جرت الوزارة التابعة للحوثيين الطلاب إلى مستنقع الخطر دون أي إجراء يذكر، في مخاطرة أكدت مدى تغاضي الحوثيين عن أي مسؤولية تجاه هؤلاء الطلاب، وبلا أدنى قيمة من القيم الإنسانية التي يتوجب التحلي بها في مثل هكذا كوارث وأزمات.
انتهج الحوثيون نهجًا مليشاويًا فوضويًا بامتياز في تعاطيهم مع المشهد التعليمي برمته، لم يكتفوا بعملية التفخيخ الممنهجة على المستوى المعرفي، بطمس هوية عدد من الأحداث اليمنية، وقولبتها بما يتلاءم مع مشيئتهم المقدسة، والمبنية على الذات المختارة من الآلهة كما يدعون، وأضافوا أحداثًا صنعوها لأنفسهم، وعملوا على تخليدها بإجراءات هوشلية، أدنى ما يقال عنها بأنها تعبير عن الحماقات التي تعتري مسيرتهم حتى الآن، يؤكدون ذلك من سلسلة تغييرات متعمدة في الكتاب المدرسي، وبالخطط التي فرضوها بما يضمن لهم ولاءات مطلقة، وبما يصنع أفكارًا تواكب إرادتهم العنصرية والتمييزية بشكلها التي عايشناه طوال فترة الحرب.
إن القذائف التي أطلقت على أحياء تعز، في تعنت واضح لوأد العملية الدراسية وهي في بدايتها، ليؤكد بما لا يدع مجالًا للشك بأن هذه المليشيا صانعة للإرهاب والتطرف، وهي بهذا تعمل على مفاقمة حالة الكراهية التي تتسيد حظها في قلوب ومكنون اليمنيين، في ظل ممارساتها الهمجية، ونهجها الابتزازي الفاضح.
إنهم يعمدون إلى تعميم تجاربهم السلالية على كافة نواحي الحياة، فالحرب العسكرية التي بدأوها باجتياح عمران وصنعاء، أوصلتنا إلى دمار شبه تام، وإعلان انقلابهم المشؤوم شل الحياة السياسية، وأقحم البلاد في أتون صراع معقد لا نهاية له، ومغامراتهم الابتزازية على المستوى الاقتصادي، أودت باقتصاد البلد إلى الحضيض، وفتحت قنوات جديدة للمعاناة والمأساة على امتداد اليمن، وكذا في الجانب الاجتماعي والثقافي فقد صنعت الشتات كله، وعملت على تمزيق الرؤى الجامعة، وتفريغ القيم اليمنية التي يتمتع بها المجتمع حتى من قبيل العرف والعادات الإيجابية.
وها هي اليوم تنحى منحى آخر لا يقل خطورة عن ما ارتكبته من قبل، فهذا الاستهداف دليل قاطع على محاولاتها المضنية لقتل أي عمل وطني خالص، يقوم على المفهومية الواحدة، ورفض ثقافة النشاز، والعمل على تقريب وجهات النظر وفق رؤى خالصة تهدف للتلاحم والتماسك، بما يعيد لمجتمعنا رونقه وثقافته المصادرة، بعيدًا عن الأفكار المفخخة، ودعوات النيل من الجسد اليمني الواحد، الذي تعمد المليشيا الحوثية على تكريسها دون كلل أو ملل، وفق نهج انتهازي هدفه وأد التعليم، وقولبته بما يواكب إرادتها وتطلعاتها المليشاوية وحسب.
اقراء أيضاً
تهامة.. خارج الحسبة الحكومية
حكومة بلا أجنحة
مبعوث السلام المستحيل