"اللهم انصر الإسلام بأحد العمرين!"، ما زال الرسول يقصد بدعائه: "عمر ابن الخطاب"، و"عمرو بن هشام"!..
كان المسلمون بعد البعثة في أشد لحظاتهم ضعفاً، لم يؤذن للرسول بالهجرة بعد، كما لم يملك أي من أدوات الدفاع عن نفسه وأتباعه الأولين، ليتوجب عليه البحث عن مخرج مناسب ضمن معطيات أنظمة قريش وقوانينها!..
لم يكن رأس المال ذو نفع كبير للمسلمين، وإن تمكنوا من شراء بعض العبيد بواسطته، فلم تميز عنصرية قريش بين المسلمين، عبيداً كانوا أو أحرارا ..
ربما حمل صاحب المكانة الإجتماعية- منفرداً- بعض من حصانة؛ إلا أنها مازالت مهددة بالزوال، حتى تقترن بشخصية قوية تتجاوز الدفاع عن نفسها، لشجاعة وعصبية مواجهة الآخرين. وعلى ما يبدو أن الرسول عليه الصلاة والسلام وجد تلك الصفات في "العمرين"..
كان الغريب في الأمر، استنكار المجتمع احتمالية إسلام عمر بن الخطاب، حتى قالت الناس حينها: "لا يُسلم عمر بن الخطاب حتى يُسلم حماره!"، على الرغم من عداء عمرو أبن هشام الشديد للاسلام!.
هل كان ذلك بسبب الغلظة التي عُرف بها "عمر" ة؟! أم أن تخففه من قيود منصب إبن هشام، (أكبر سادات قريش)، جعله أكثر حركة. لعل الرجلان لم يحملا ذات الأهداف، أو أن ابن الخطاب تفوق في كراهيته تجاه الدعوة الجديدة. فقد تحدثت كتب السيرة عن نيته إغتيال الرسول قبل أن يفكر بذلك عمرو ابن هشام أو يلجأ إليه..
إلا أن ابن الخطاب خالف توقعات السواد الأعظم، وأعلن اسلامه. ولم يكد يؤدي الشهادتين حتى رفع راسه للرسول وطرح تسأؤلاته بحزم: "اولسنا على حق؟! فلم نعطي الدنيّة في ديننا؟!". تبسّم الرسول أمام أسئلة "الصحابي الجديد" وقد وجد فيها إجابة لدعاء طالما نادى به ربه!.
تخفف المسلمون من ضغوط أثقلت كواهلهم، حتى أن "عمرو ابن هشام" كان يفكر مرتين قبل أي محاولة تنمر جديدة، فهو أدرى الناس بكلفة مواجهة "إبن الخطاب"!..
ألا يدعونا ذلك للتسائل عن سبب استجابة الله لدعوة رسوله بإسلام عمر بينما حجبها عن عمرو؟!..
لم يكن الإسلام بالدين الصعب على قريش وسكان الجزيرة العربية. بعض من التهذيب لعادات وتقاليد لم تمس جوهر أخلاقيات تعارفوا عليها. وأغلب الظن أن عمر ابن الخطاب لم يحارب الاسلام كدين، فلم تكن الحجارة المرشقة حول الكعبة لتشغل مثله، خاصة وأن الإله الذي يدعو إليه محمد هو الرب الجامع لكافة ما ينضوي تحته. لم ينكر أحد عليه ذلك حتى اشتعلت الخلافات بين معارض ومؤيد لطريقة العبادة التي وجد فيها ابن الخطاب فتنة تسعى لتمزيق تماسك قبيلة يعلم يقيناً خطورة تفككها، حتى مس اليقين قلبه!!..
لعله انضم بجهالة لجانب الباطل، وكان دين محمد هو ما ينقص قبيلته، ألا يكفي أنه سيتوقف عن الانحناء لآلهة من "تمر"، طالما تسائل عقله عن جدواها بينما هو يلتهمها؟!
لم يجد عمر ابن الخطاب غضاضة في الإعتراف بذلك، فهل جهل ابن هاشم تلك الحقيقة؟ أم أنه فضل تجاهلها حتى أعلن سبب حربه صراحة تحت قدمي الصحابي ابن مسعود: "لقد ارتقيت مرتقى صعباً يا رُويّعيّ الغنم!"..
أكاد اجزم أن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- لم ينشغل بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم، بقدر ما انشغل بالسبب الذي جعل الضعفاء يصبرون بكل جلادة أمام الأذى الذي كانوا يتعرضون له. شيء كبير يجعلهم يستميتون في تحمله برضى، وإن دفعوا حياتهم ثمناً! كان يعرف تلك المشاعر جيداً، هل يعقل أن يمتلك رجل- وإن مارس السحر- هذا القدر من الاغواء؟! لم يسمع بذلك من قبل!.
على عكس إبن هشام، الذي سبق واعترف في عدة مواقف بتصديقه لنبوة محمد، الرجل الذي لم يعرف عنه الكذب قط، فلماذا استمر في عدائه؟!..
تشابه عُمر وعمرو في الطباع، إلا أنهما اختلفا في نظرتهما للأشياء، ليقف كل منهما في طرف مغاير للآخر. شتان بين دفاعك عما تراه "حقاً"، وبين ما تراه "حقاً لك"!..
مازالت الأهداف المحرك الرئيسي لمسارات البشر. حارب عمر بن الخطاب قبل الاسلام وبعده في سبيل ما يراه واجباً، وإن خالف هواه..
بينما ألغى عمرو ابن هشام (أبو الحكم) عقله، وقلص رغباته، إلا من الحفاظ على مكانة وقوة، وجد أن معايير الدين الجديد ستنزعها عنه، ليستحق التصاق لقب "أبو جهل" عليه، حتى بعد مماته!..
اقراء أيضاً
في رفقة شبح ديمقراطي غربي
الرسام المجرم
"البالة".. تغريبة اليمني