من الفيروسات الاجتماعية التي رافقت نشوء منصات التواصل، ذلك الفيروس الذي يجعل المصاب به خبيرا في جميع المجالات بدون استثناء، وهو لم يكمل ربما مرحلة التعليم الأساسي، فهو خبير بالسياسة والاقتصاد والعلوم العسكرية، وهو ضليع بالطب والأوبئة والهندسة وعلم النفس، وهلّم جرّا.
وهذا الفيروس يصيب عادة المرء الذي يمتلك رصيدا من المتابعين، ورصيدا متواضعا من العلم يظنّه كافيا لأن يخوض في جميع المجالات، مع عدم استشعار للمسؤولية الأخلاقية والأخروية فيما يطرحه على المتابعين، من مواضيع يصعب إدراجها جميعا في خانة التعبير عن الرأي؛ ذلك أن منها يتضمن معلومات مغلوطة، أو رأيا يحض المجتمع على التهلكة، أو كلاما سمجا لا يرقى لأن يكون رأيا أو تحليلا.
ليس فيروس حب الظهور، بمعزل عن فيروسات اللامبالاة والاستهتار والشائعات، التي تصيب مجتمع منصات التواصل في أوقات الأزمات والأحداث المفصلية، فكلها تعمل على إرباك المتابع وتحاول تعطيل تفكيره، وتدفع به لأن يتحول إلى روبوت يتلقى ما يسمعه من إشارات.
في الآونة الأخيرة، ثمة حالات إصابة بفيروس كورونا أعلنت عنها الجهات الرسمية في اليمن، أحدها كانت الحالة الأولى في مدينة تعز، وقد دار حولها جدلا عقيما بين من يستند في تأكيدها على المصادر الطبية، وبين من ينفي استنادا على تصريحات أهالي الحالة المصابة، وأصحاب التوجه الأخير تعاملوا مع المصاب كما لو أنه اتهم بارتكاب جرم، لا كمصاب بفيروس لا يملك المصاب أو أقاربه القول الفصل في إثبات أو نفي إصابته، دون الاعتماد على فحوصات طبية دقيقة.
والعاقل في هذه المقارنة لا يمكن أن يقف في مواجهة الطبيب بكلام نظري يتلقفه العامة في منصات التواصلً. وحتى لو افترضنا أن الحالات التي سجّلت ليست مصابة بكورونا، فإن من باب أولى التعامل معها على أنها مصابة، إذ إن كلفة الاستهتار ستكون كارثية، بينما لن تكون هناك كلفة في الاحتياط وإتباع إجراءات الوقاية الطبية في مواجهة الفيروس.
وأنا لست هنا في وارد الدفاع عن الجهات الرسمية التي أعلنت حالات الإصابة بالفيروس، فهذه الجهات لا يهمها كثيرا صحة المواطن وتعاملها مع الأمراض التي تفتك بأبناء عدن أبلغ دليل، لكنني أرفض حالة الاستهتار بالفيروس التي يروج لها بعض ناشطي المنصات، وأستقبح أن يسعى إنسان لفرض رؤية في مجال هو غير متخصص فيه ألبتة.
هناك من شكك في الأرقام التي تعلنها وزارة الصحة عن المصابين بفيروس كورونا بلغة الباحث عن الحقيقة والمحذّر من أن الأرقام قد تكون أعلى بكثير نظرا لسرعة انتقال الفيروس، وهناك من شكك في حقيقة وجود حالات إصابة بالفيروس واتهم وزارة الصحة بالكذب لتحقيق مكاسب مالية، ومن حق أي إنسان أن يشكك إذا كان يسعى وراء لإثبات حقيقة أو تحقيق مصلحة عامة، مع مراعاة أن ثمة فرق بين التشكيك لأجل الحقيقة والمصلحة وبين التشكيك لمجرد الاستهتار واللامبالاة.
إن مكافحة فيروس كورونا في اليمن يجب أن تتوازى مع حملة شبيهة لمكافحة فيروسات رديفة لكورونا تملك حسابات في منصات التواصل وتأثيرها يصل لمئات الآلاف، فإذا كان كورونا يضرب جهاز التنفس، فتلك تضرب جهاز التفكير خاصة وأن أكثر من نصف السكّان يعانون أساسا من فيروس الأمية.
اقراء أيضاً
سطا الحوثيون على قريتي... فصرنا غرباء
الجريمة في ظل اللادولة
موسم الهجرة القسرية