ذلك اللص لم يكن يعلم أنه سرق حياتها وكل معنى لوجودها..!!
سرق منها نفسها، فلم تعد تعرفها حين تطالع وجهها في المرآة..!!
ليته ذلك النهار تقدم منها ووضع سكينه في حلقها، وأمرها أن تسلمه حقيبة يدها.. ليته صفعها، آمراً إياها أن تسكب محتوى الحقيبة بين يديه، ونزع من أصبعها محبس الخطبة، ومن أذنيها الأقراط.. ليته فعل ذلك وترك لها نفسها.
لكنه لص..، لص اعتاد أن يخطف ما في أيدي الآخرين بلا أدنى اهتمام: ماذا عساه أن تعني لهم هذه المسروقات؟
لعله، في إحدى سرقاته، خطف ثمن الدواء من أب، كان طفله يعاني سكرات الموت في انتظار العلاج..!
لعله مرة، خطف حقيبة موظف وفيها عهدة مالية كبيرة، فقضى الرجل بذبحة صدرية وهو يتخيل رب عمله يتهمه بسرقة العهدة..!
لعله حرم عروس من تكاليف زواجها، أو موظفا من راتبه الشهري..؛ لعله قتل الناس جميعا بقتله مرة واحدة..!
الفرق في سرقة حياتها منها، أنها لم تمت، وإن كانت في عداد الأموات..!
خطوة واحدة على رصيف الشارع، نقلتها من بين الأحياء إلى خانة الأموات..!
خطوة واحدة، حاولت فيها أن تعبر الشارع حتى أتى هذا الوحش على ظهر دراجته النارية كالسهم وامتدت يده بسرعة، خاطفة حزام حقيبتها..!
ليت الحقيبة كانت على كتفها فقط.!! لكنها كعادتها تضعها حول رقبتها وتحت ذراعها. ومن شدة الجذب لم تدرك ماذا يحدث؟؛ سوى أنها معلقة خلف دراجة نارية مسرعة كالقدر!.
لم يعد بإمكانه ترك الحقيبة من يده، لأنها علقت بمقود الدراجة، ولا هي تنصلت من هذا الشرك لأمتار طويلة..!
ثم تركها مع حقيبتها بعد أن ابطئ القيادة، واستطاع تخليص الحزام.. تركها فاقدة الوعي من الرعب فقط..!!
أما الألم، فلن تشعر به ساعتها. كان باق معها حتى آخر العمر؛ ألماً مضاعفا لا ينتهي..!
الناس الذين رفعوها من الأرض، لم يدركوا الدراجة، ولا تبينوا ملامح اللص الملثم جيدا، كما لم يتبينوا ملامح محددة لوجهها الذي انصهر تماما على أسفلت الشارع والدراجة تسحلها خلفها..!!
كل من رأها تمنى لها الستر بالموت من كل قلبه..!
لكنها لم تمت، ولم تستطع التستر أمام نظرات الناس المشفقة والمرتاعة من هول التشوه الحاصل في وجهها.
اقراء أيضاً
عمل المرأة بين الحرية والاضطرار
اليمنيون بين قصفين
مستقبل اليمن في إحياء القومية