أطل رمضان من جديد، كموسم خيري يحمل الميزة الربانية، محفوفًا بخصوصية الاستقبال من المسلمين، وبحفاوة المُنتَظر للفرحة به رغم أنف المنغصات التي نعيشها كيمنيين ومعنا العالم أجمع في ظل أزمة تفشي فيروس كورونا.
الخصوصية التي يحملها رمضان بشكل دوري كل عام تجعله الشهر المفضّل؛ لوقعه المختلف، ولحيويته المعتادة، ولطقوسه الاجتماعية والدينية التي تميزه عن سواه من الأشهر، وتجعله شهرًا مدللًا لدى المسلمين، ومعشوقًا استثنائيًا بكل ما حواه.
لعل القيمة الأبرز التي تجعل من رمضان شهرًا ذا وقع خاص تتمثل في الحتمية الاجتماعية التي يفرضها بمفرداته العبادية، والتقاليد الاجتماعية المتماشية معه بكل سماحة وشغف؛ ليؤكد أنه شهر للتماسك والتراحم، واستعادة اللحمة المجتمعية التي نكاد نفتقدها في ظل الأوضاع الصعبة التي نمر بها.
جماعية الاحتفال، وتنوّع صور الفرحة، وتعدد أساليب البهجة بقدوم رمضان في كل مناطق اليمن واحدة من تجليات الحتمية الاجتماعية التي يحملها الشهر الغزير بالبشائر الربانية، والمستفرد بالأعراف الإيجابية الطاغية في أوساط المجتمع، مع تفاوتها من مجتمع لآخر.
على مدى السنوات الماضية استفحلت الحرب في فتكها باليمنيين، وكما قتلت ودمرت وشردت فإنها أضرت بالوصل الاجتماعي، وعملت جاهدة على هتك كل القيم المجتمعية المتأصلة في اليمنيين، وكذلك سخّرت جماعة الحوثي كل طاقاتها للانقلاب على الجوامع الاجتماعية اليمنية، وضربتها في جوهرها، وتجاوزت العمق الجامع بتشويه وجه اليمن والعمل على وئد كل شيء جميل دون سابق إنذار.. هكذا عنوة تستهدف الجماعة الأشياء الجميلة، وتذيب حبال الوصال بين اليمنيين، وتتفنن في صناعة أسباب الفرقة والتشظي؛ ليخلو لها الجو، وليحلو لها صنيعها الفاحش بحق الكيان اليمني بكل قيمه.
استخدم الحوثيون كل الأساليب على مستوى السياسة والثقافة والاقتصاد، لصناعة التباعد القسري بين أبناء البلد الواحد، ولخلق فجوات قاهرة بين مدن ومحيطها السكاني، وقزّمت كافة الجهود الرامية لإعادة اللحمة، وعملت على تلاشي الابتسامة اليمنية للأبد، بفعل تراكمات عقائدية مشحونة بالحقد المذهبي والسلالي.
تقتضي الحتمية الاجتماعية تعاونًا مستفيضًا بين الآخرين في إطار المجتمع الواحد، يظهرون ودًا وتسامحًا عمليًا بين بعضهم البعض، وهو ما يجسده اليمنيون خلال شهر رمضان، وفي مناسبات دينية أخرى، مؤكدين ترفعهم على كافة التحوّلات المصطنعة بفعل الحرب والتعقيدات السياسية الحاصلة.
الحتمية الاجتماعية تقتضي التنوّع والقبول بالآخر، والاعتراف به من أجل ضمان عدم توقف المجتمع عن مسيرته التكاملية والتصاعدية، وهذا لن يكون إلا بمعرفة كل فرد بنفسه وطاقته وجوهره، وذلك عبر معرفة الآخر، بالتعامل معه؛ بغية التكامل لصناعة مجتمع مكتمل الأركان، لا يخضع لسياسات أحد ولا تؤثر عليه المتغيرات الطارئة المصطنعة، وهذا ما يحمله رمضان في طياته كل عام.
لا نستطيع أن نكتفي بالحياة مجرد الحياة في ظل التباين التكويني والتنوّع الإنساني والمعرفي إذ يستوجب كل هذا تنوعًا مجتمعيًا مبنيًا على الحتمية الاجتماعية في إطار تبادلي تعايشي بيننا البين، يصنع الألفة والمحبة، ويعيد وهج الشخصية اليمنية الجامعة، التي صادرت الحرب كثيرًا من مقوماتها، وهشّمت الجماعات الدينية المتطرفة أغلب قيمها، وحاولت بكل قوتها لاستنساخ شخصية جوفاء لا يُبنى عليها شيء.
مسؤوليتنا اليوم أن نتعاطى مع رمضان وفق ما نشأنا عليه، وعلى ما وجدنا فيه مجتمعاتنا واحدة لا خلل فيها، ولا تقبل بأي أفكار خبيثة، بل تجسّد ملامح الحتمية الاجتماعية ومتطلباتها على أصولها، في مشهد بهي يقدّم اليمني نموذجًا اجتماعيًا من بين شعوب العالم الأخرى.. استعينوا على ذلك بالآخرين، وعيشوا تفاصيل رمضان تعاونًا تسامحًا حبًا وتعايشًا يتجاوز كل العراقيل.
اقراء أيضاً
تهامة.. خارج الحسبة الحكومية
حكومة بلا أجنحة
مبعوث السلام المستحيل