أحرزت قوات الجيش الوطني تقدما ملحوظا في البيضاء، واستعادت مواقع في الجوف، في وقت عصيب، كانت الأعين فيه ترقب ما سيأتي على مأرب، مابين خائفة تخشى السقوط وأخرى شامتة تنتظر لحظة الانقضاض.
عندما خسر الجيش بعض المساحة، كنت أدرك أن هذا يجب ألا يدفعنا للحكم على هزيمة الجيش وفق معيار قاصر، وإنما يجب أن يشكل ذلك درسا، ودافعا قويا لتعزيز اليقظة وتفعيل مبدأ المحاسبة، والاستفادة من الأخطاء، بما يحصن الجبهة الداخلية، ويحميها من الإرجاف والتلكؤ والاختراق.
الهزيمة لا تقاس بخسارة مساحة الأرض، ولو كانت كذلك، لكان الحوثيون أكثر من نالوا نصيبا من الهزائم منذ اندلاع الحرب، لكن الملاحظ أن عصابة الحوثي لا تزال في وضعية أفضل من ذي قبل رغم ما خسرته من مساحات كبيرة على الأرض.
في عام 2001، كانت الإدارة الأمريكية تسوّق للعالم انتهاء حكم طالبان في أفغانستان، بعد أن خسرت الأخيرة غالبية المساحة التي كانت تحكمها، لكن ما لم تدركه الإدارة الأمريكية، أن طالبان الفكرة لم تنال منها الهزيمة، وهذا ما سمح للحركة بترتيب صفوفها وامتصاص صدمة الغزو، ومن ثم استعادة زمام الأمور، والسيطرة على نحو 70% من مساحة أفغانستان، لتضطر الإدارة الأمريكية مرغمة على التفاوض مع قيادات الحركة بدلا من محاكمتهم كما كانت تصرّح زمن الغزو.
قبل أفغانستان، كانت الولايات المتحدة قد غاصت في وحل الأرض الفيتنامية، بعد نحو عشرين عاما من تدخلها المباشر وغير المباشر هناك، ورغم أن خسائر الفيتناميين فاقت المليون قتيل مقارنة بخمسين ألف قتيل أمريكي، إلا إن ثمة إجماع على الهزيمة الأمريكية في فيتنام وبعدها أفغانستان، نظرا لأن معياري المساحة والخسائر لا يشكلا الأولوية في الحكم على خسارة طرف أو ربحه للمعركة.
إن الهزيمة الحقيقية التي يمكن أن تلحق بكيان ما، ليس في طرده من مساحة من الأرض يستطيع استعادتها لاحقا، وليس في خسائر بشرية ومادية يستطيع أن يعوضها ويواصل المعركة، وإنما الهزيمة الحقيقية تكمن في هزيمة الفكرة أو المشروع الذي يعتنقه العدو؛ لأن هزيمة الفكرة وتجفيف منابعها، ينعكس على معياري المساحة والخسائر البشرية والمادية، ولو أسقطنا هذا المعيار على عصابة الحوثي نجد أن من المبكر الحكم على هزيمة الحوثيين.
إن هزيمة العصابة الحوثية، يجب ألا تقتصر على دحرهم من الأرض، وإلحاق الخسائر بهم، فقد تكرر هذا كثيرا وهو بالطبع محل إشادة بما يقوم به مجاهدو الجيش، لأن الهزيمة الحقيقية لن تكون إلا عندما يتلاشى المشروع أو الفكرة الحوثية ويتم تجفيف منابعها كليا، واجتثاثها من جذورها، أما عدا ذلك فلا قيمة لأي تعايش أو سلام محتمل يبقي على هذه الفكرة الدخيلة.
اقراء أيضاً
سطا الحوثيون على قريتي... فصرنا غرباء
الجريمة في ظل اللادولة
موسم الهجرة القسرية