لم تخرج لحظة انقلاب الميليشيا- رغم صدمة وقوعها- عن كونها "مسألة رياضية"، لا ولن تعصى على الحل؛ إنقلاب كامل الأركان بواسطة ميليشيا مسلحة سينتج عنه ولا بدّ مقاومة مضادة حتى تتم إعادة الدولة!..
لم يكن المنطق الحسابي من يشير إلى ذلك وحسب، بل سانده رفض شعبي عم غالبية أطيافه..
ربما أتخذ البعض مبدأ الحياد حتى تهدأ العاصفة، وهو يعلم في قراره نفسه أن مساندة قادة "حزب المؤتمر" لميليشيا لن تتخطى كونها وسيلة انتقام "مؤقتة"، أو "مكايدة سياسية" وجد فيها استحقاق مناسب لحزب "الإصلاح" المنافس، وإن قامر بذلك على مصير وطن بأكمله!..
رغم ذلك أكدت ساحات المعارك على إمكانية إنهاء الانقلاب والقضاء على الحوثي وإن ببطء وكلفة ضخمة. فقد أحتفظ اليمني بشروط النصر حين تمسك بعدالة قضيته وتشبث بالأرض التي أقسمت أن تحارب مع أبنائها الصادقين، وذلك ما حدث. تصدى اليمني لتمدد الحوثي الاهوج بسلاحه الشخصي ومساحة لا تكاد تكفي موضعا لقدميه في كل من تعز ومأرب!!..
" لا تؤدي محاولة قمع الشعوب- وإن طالت- إلا إلى مقاومتها وفرض إرادتها الحرة عليها.. "، قال المقاوم اليمني قبل أن تختل موازين المعادلة أمامه ويستعصي عليه حلها!.
يحدث أن يصاب البعض بالتكاسل، أو يُعمل ما يعتقد انه "مهارة" استغلال المتاح.
ما المانع في بعض المساعدة الخارجية؟! لا بدّ وأنها ستختصر وقت المعركة الطويل، كما ستمنحه غنائم مضاعفة!.
يجدر بنا الاعتراف بأن نسبة لا بأس بها من الشعب اليمني أيدت ذلك القرار السياسي ومنحته رضاها. خاصة وأن الأهداف التي طرحها التحالف بدت ببريق مخلص، كما أن اليمني لم يتوقع بأن تسوء حاله أكثر مما هي عليه!.
"شكرا سلمان"، العبارة التي أخذ اليمني يرددها على لسانه بكل سذاجة لارتال الأسلحة التي أخذت تعبر الحدود، رغم عدم تكافؤها أمام ما تم نهبه من قبل مليشيات الحوثي، فقد كانت سيطرة التحالف الجوية كفيلة بمنح المعركة بعض التوازن.
انضم اليمني إلى صفوف الجيش الوطني بكل حماس وتقدم في الجبهات، مستعيداً أرضه قبل أن تصله الأوامر بعدم تخطي الحدود! "من قام برسم تلك الخطوط الوهمية ولمصلحة من"؟!. لا يكاد ينهي تساؤله حتى تخرسه "النيران الصديقة" وتدفن ما تبقى من أسئلته الحائرة!.
هذا ما يحدث عندما تعبث بالمنطق، وتصدق بأن غيرك سيشعل حرباً نيابة عنك، معتبراً أن لمطالبك "قيمة" في معادلاته!..
قام التحالف بمنحنا بعض الأسلحة وساعد في نزع جزء كبير من الأراضي اليمنية التي استولت عليها الميليشيا، إلا أنه في المقابل سلب قرار اليمني، ونزع عنه الكثير من روح المقاومة- (سلاح اليمني الحقيقي)- في انتظار صدور أوامر جديدة بالتحرك!.
لا يمنح الانتظار النصر، أو حتى الثقة في حدوثه، إلا أنه ينضج الألم!.
وفي غمار ذلك الانتظار، قامت الميليشيا بتصفية حساباتها مع حلفائها القدامى!!.
"لا بدّ وأنهم سيكونون رافداً جديداً للجيش الوطني"، هذا ما يقوله المنطق، بعد أن ارتفعت فاتورة الثأرات ضد الميليشيا، إلا أن المؤتمر فضل أن يبقى جبهته ضد الحوثي بمنأى عن الشرعية- وإن استظل تحت ظلال التحالف!.
"لا بأس بعدم انضمامه، وإن حمل ذلك بعض الهواجس المستقبلية.. مازلنا نواجه عدوا واحدا، كما أن رائحة الفساد المنبعثة من الشرعية لم تكن لتشجع على تاييد مطلق" يقول البعض، قبل أن تعود الأقلام الحزبية للتراشق المزري وتبادل الاتهامات!.
أي معارك سقيمة يراد لليمني أن ينجر ورائها؟! يبدو أن البعض لا يقبل بالرضوخ "للحساب الرياضي" حتى يتذوق المزيد، والمزيد من الهزائم!!.
من المنطقي أن يزداد الانقلاب قوة، ويتمرد أصحاب المصالح الضيقة أمام هشاشة "الشرعية" التي أمست عاجزة حتى عن إبداء أبسط أنواع الرفض بعد فقدان قرارها. أي خنوع يجعلها تصمت عن عملية تمزيق اليمن، إلا إن كان ما يحدث مناسباً لتخليها عن مسؤوليتها، واستمراراً لعجلة فساد لم تكن لترضى بإيقافها؟!.
مازلنا نخطئ في الحساب حين اعتقدنا نصراً على يد "مُرابي" يجد في الحرب "مزاداً" لا ينبغي أن يتوقف حتى تنتهي طلقات المحاربين أو تجف دمائهم..
تتغير الأهداف مع تغير المعطيات. هذا ما تداركه التحالف الذي لم يكن ليرضيه "جوارٌ" يسعى لاستعادة قراره وإرادته الحرة، خاصة وقد مثل الجيش الذي قام بتسليحه خطورة مستقبلية. حيث- كما يعتقد- انتمى غالبية عناصره لحزب الإصلاح، الذي وقع في مأزق تقديم وفرة من التنازلات بغية درء شبه الإرهاب عنه، ليثير تساهله مزيداً من الشكوك!.
لعل التحالف وجد في الميليشيا بديلا أكثر انصياعا مقابل "دولة ركيكة" لم تكن تحلم الميليشيا بالحصول عليها..!
على الأغلب، أن المدن التي ساهم التحالف في تحريرها ستتساقط مجدداً، سواء كان تباطؤه هو المتسبب، أو كان ذلك بفعل منتفعي الشرعية، قبل أن ينهي تواجده، ويستبدل "مقيمي الفنادق" بالميليشيا تحت أي إطار سياسي ينقذه من تورطه في اليمن ومساءلته عن ما ارتكبه فيها، متناسياً أن الجرائم الإنسانية لا تسقط بالتقادم.
لم تكسر الهزائم اليمني، بقدر ما استنزفته المسرحيات العبثية التي مورست عليه، ومارسها هو أيضاً خلال سنوات الحرب. ولن يكون الأداء الختامي "المحتمل" سوى حبل إنقاذ من قيود السياسة ومأزق الاتكالية الذي وقع فيه، ليعود إلى نقطة البدء ومعادلة نصرها البطيء: "مقاوماً" كما يفترض به، وبكامل قراره وإرادته "وأهدافه الموحدة"، التي لم ينبغي عليه منذ البدء المساومة عليها..
اقراء أيضاً
في رفقة شبح ديمقراطي غربي
الرسام المجرم
"البالة".. تغريبة اليمني