تسع سنوات مرّت على اندلاع ثورة فبراير، ومع كل ذكرى، يتجدد الجدل العقيم بشأن مشروعيتها، ومدى مسؤوليتها عما وصلت إليه البلد، وهذا جدل مفرغ منه، فالثورة كانت مشروعة ولاتزال وستبقى كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها مابقي الظلم والطغيان متربعا على كرسي الحكم على هيئة شخوص أو مؤسسات.
إن ثورة فبراير لم تحقق غالبية أهدافها التي خرجت لأجلها، وهذا لايعيبها ولا ينتقص من تضحيات وجهود أبطالها الذين ثاروا في وجه عصابة عاثت فسادا وخرابا في الأرض وسعت لإخضاع الشعب لسلطة التوريث، فالثورة ليس شرطا أن تنجح في وقت قياسي، ومن البديهي أن تواجه تحديات وتخوض معارك لسنوات ولعقود إن اقتضى الأمر ذلك.
لكن العيب في أن يمارس البعض التدليس على الناس باسم الثورة، وهو لم يكن في صفها يوما، وربما لم يكن يؤمن بضرورتها من الأساس، فيحدثهم عن ثورة نجحت في إسقاط النظام، وهذا غير صحيح، فالثورة كان قدرها أن يتم احتواؤها وإسقاط رأس النظام وفق تسوية مشوهة مازال الشعب يدفع ثمنها إلى اليوم.
ويحدثهم عن رئيس جاءت به الثورة في انتخابات حرة ونزيهة، وهذا غير صحيح، فالرئيس هادي جاءت به قوى خارجية وفرضته على الشعب بانتخابات هزلية معروفة النتيجة سلفا، وسوقت لها أحزاب اللقاء المشترك.
ويحدثهم عن حوار وطني شامل صنعته الثورة، وهذا غير صحيح، فمؤتمر الحوار بتلك الصورة كان نتيجة لعملية احتواء الثورة، ولو قدر للثورة أن تنجح لكان هناك مؤتمرا وطنيا غير مؤتمر الحوار الذي غلب عليه المحاصصة في أعماله، والخلل في بعض مخرجاته.
لقد كان قدر الثورة أن تصادر لبعض الوقت، وأن تصادر دماء أبطالها وفق قانون صريح لم يعتد على حقهم في القصاص فحسب وإنما على سلطان الله الذي شرع القصاص، وهذا القانون شكّل أرضية للمزيد من جرائم القتل وإزهاق الأرواح، بسبب اختلال ميزان العدالة.
إن الثورة لاتحتاج إلى احتفالات تصرف فيها ملايين الريالات وتذهب هدرا إلى جيوب المسؤولين، بينما هناك من المواطنين من هم أولى بهذا المال؛ ممن أعجزتهم الحرب عن توفير المأكل والمشرب والسكن والملبس.
واختزال الثورة، في مناسبات سنوية ترفع فيها صور الرئيس هادي مصحوبة بشعارات تمجده، ليس إلا إعادة إنتاج لثقافة تقديس الأشخاص من نفس البوابة التي أسقطت هذه الثقافة، وهي بوابة الثورة. ثم أليس الأولى أن ترفع صور شهداء الثورة تكريما على الأقل لذكراهم، وهم الذين لم تأخذ أرواحهم حقها في القصاص حتى الآن؟
إن الثورة قيم تزرع في النفس وتتجسد في الفعل، وليست موسما لتبديد الأموال في جيوب المتنفذين، أو مناسبة للظهور والمظاهر الشكلية التي لاعلاقة لها بجوهر قيم الثورة.
الأحزاب السياسية التي تتغنى بالثورة عند حلول ذكراها، تحتاج لأن تطبق مبادئ الثورة داخل هيكليتها حتى يصدقها الناس، فليس منطقيا أن يصدق الناس حزبا يطالب بالتغيير ورئيسه لم يتغير منذ عقد أو عقدين، ولن يصدق الناس حزبا يشيد بدور شباب الثورة وفي نفس الوقت يمنع تمكين الشباب من مناصب رفيعة في الحزب، ولن يصدق الناس حزبا يعلن رفضه تقديس الشخوص، وأتباعه يقدسون رئيسه ويرون انتقاده خطا أحمر، كما لن يصدق الناس حزبا يعلن حرصه على السيادة، وهو يوصي أتباعه بعدم إبداء رأيهم في الخرق الاماراتي السعودي للسيادة اليمنية، وقس على ذلك أشياء أخرى.
إن الثورة وقيمها يجب أن تبقى حاضرة في الحياة اليومية، وفي الحياتين السياسية والاقتصادية، وفي الميدان العسكري، وفي والمعاملات التجارية، والعلاقات الإنسانية، لكن الملاحظ_للأسف_ أن الثورة أضحت كالأم الغربية التي يحتفي بها أبناؤها يوما في العام، ويتنكرون لها بقية الأيام.
اقراء أيضاً
سطا الحوثيون على قريتي... فصرنا غرباء
الجريمة في ظل اللادولة
موسم الهجرة القسرية