"هل قاموا بذلك حقاً؟ يا لهم من أوغاد!!".
يردد اليمني تلك العبارة بأسف قبل أن يطرح رأسه على وسادته ويغرق في النوم. لن يكون الرقاد سهلاً بضمير مثقل، لا بّد إذن من إيجاد "مُلام" كل ليلة!.
لا بأس إن كانت "قطر" من ستسقط عليها لومك وعتابك، أو ربما "الإمارات". من المستحسن تخفيف الهجوم على "السعودية" خلال هذه الفترة، فالجغرافيا تجبرنا على توخي الحذر والحرص، والكثير من الانحناء..
لا تقلق إن لم يكن مزاجك خليجياً، مازال لديك مجال واسع من الخيارات: بإمكانك مشاركة الحوثي لعناته على أمريكا وإسرائيل وكافة أعداء الإسلام، أو لعلك تأخذ الجانب المضاد له وتشير بكافة اصابعك متهماً إيران بالحال المزري الذي وصلت اليمن إليه..
اليمن ليست بخير!..
لن تجد يمني في داخل أرضه أو خارجها إلا واستشعر الوجع. تلك القبضة التي تعصر روحك حتى تكاد تلفظك منها. الأنين الذي تحاول الهاء نفسك عنه قبل أن تلوذ بالفرار من خرائطها وصورها. لعلك تستسلم لتلك المشاعر في بعض الليالي، فالدموع تزيح بعض من وزر تركها في هذا الحال قبل أن تنفث غضبك على العالم اجمعه، فالجميع مشارك في إرتكاب جرائمه على أرضنا- عدانا- نكرر ذلك بكل إصرار..
ليس من السهل على شعب تباهى دوماً بحذاقته أن يعترف بأنه أضاع وطنه. حتى وأنت تحاصره بألغام يغرسها بين التراب، ستجده يلقي بتبعتها على آخر، قد يكون هذه المرة من بني جلدته: الأحزاب، الفساد، تراخي القبيلة،..الخ. لن يعجز اليمني عن إيجاد أسبابه حتى وهو ينعي فقدان وطنه!..
لكن ما هو الوطن الذي مازلنا نفقده كلما استعدناه!..
سيقطب أي فتى في صنعاء جبينه أمام معنى الوطن. لا يهتم الصغار عادة بمثل هذه الأسئلة، ربما لو طُرح علينا ذات السؤال قبل بضعة سنوات لاُصابنا بالحيرة. فلم نشغل أنفسنا حينها بما نملك، كنا قد حصرنا اهتمامنا بمداعبة النهار البارد بينما نرتشف كوب القهوة، التي كانت الذ حينها!..
قد يكون التعريف الأدق للوطن، بأنه الأرض التي تضفي للقهوة نكهتها..
كان لنا وطن ودولة قبل بضع سنوات، لكم أن تستغربوا، لكنها الحقيقة التي مازلنا نهرب من ذنب مشاركتنا في فقدها، وليس إلقاء الملامة على الغير سوى طريقة لإخفاء ذلك عن أنفسنا على الأقل.
أرض لم نؤلف لها الأغاني إلا من باب أداء الواجب أو ربما التسلية. تجاهلنا انينها الخافت، بينما أخذنا ننزع زهرها بلا مبالاة.
مازلنا نثقل عليها بدعساتنا دون أن نخشى هجرانها. "لا تهجر الأرض أماكنها!"، نقول ذلك بثقة، حتى جاء ذلك النهار واستيقظنا غرباء من أنفسنا ومنها..
اقراء أيضاً
في رفقة شبح ديمقراطي غربي
الرسام المجرم
"البالة".. تغريبة اليمني