مثيرة للضحك والاشمئزاز في آن واحد، تلك القرارات التي تصدرها جماعة الحوثي؛ لتؤكد الفرق الشاسع بين ادعاءاتها الوهمية، وحقيقتها على الأرض، ليس فقط كمليشيا أمعنت في تعذيب اليمنيين، وإقحامهم في أتون صراع مرير، تمخضت عنه الكثير من السيناريوهات التي عقّدت المشهد، وأضافت مراحل أخرى من صراعات لا نهاية لها.. بل كعصابة انتهازية، تقتات على حساب آهات اليمنيين ومعاناتهم، إذ لم تألوا جهدًا في ابتكار أساليب جديدة للابتزاز والارتزاق سواء على المستوى العام على اعتبار أنها ما زالت تسيطر على قطاعات سيادية عجزت الحكومة الشرعية عن نقلها أو إيجاد البديل المنافس والمناسب كالاتصالات مثلًا، أو حتى على مستوى محافظات ومديريات سيطرتهم، التي لم يتركوا فيها أحدًا إلا وطالبوه بما يعتبرونه حقًا إلهياً، يوجب على رعاياهم ويلزمهم بجباية تحددها جماعة دموية تدّعي أن لها مسيرة قرآنية تمضي على خطاها، للوصول إلى سيطرة تامة على اليمن، وصولًا إلى القدس، كما يدّعون.
لن يتكرر في تاريخ اليمن نهج كهذا الذي تنتهجه جماعة الحوثي، ادّعت الثورة، وصدّرت نفسها كمنقذة في لحظة فارقة من تاريخ اليمن الحديث، وسيطرت بالقوة، رفقة من مهدوا لها الطريق، ومدوها باحتياجات السيطرة، سيطرت على مفاصل الدولة العسكرية والمدنية، وطوت إحدى أكثر المراحل المنتظرة، تلك التي كنّا ننتظر فيها الولادة الوشيكة للدولة الحديثة، وفق رؤية التف حولها كل اليمنيين، ووثيقة جامعة، حوت حلولًا للماضي، ومعالجات للحاضر، وخططًا مستقبلية واضحة المعالم والأهداف، لكن الحوثيين، ومن كان إلى جوارهم، نكثوا بكل بشيء، وأسسوا لمرحلة لم يكن أسوأ المتشائمين اليمنيين يتوقعها، إنها تبدو كلعنة لم تستثنِ شيئًا إلا ونالت منه.
عبث الحوثيون بكل ما له علاقة بالجمهورية، وعملوا بكل ما يستطيعون على تشويه صورة الجمهورية التي كانت باهتة بفعل الأنظمة المتعاقبة عليها، لكنهم أصحاب مشروع يناقض المبدأ الجمهوري، فالشعب بالنسبة لهم مجرد تابع، وسكانه رعايا، يسمعون ويطيعون، وينفذون ما يُملى عليهم، ومن أبى، فالتنكيل والتعذيب، وتدمير منزله، ومصادرة أمواله، أدوات تستخدمها الجماعة من أجل إرغام الرافضين لها ولأيدلوجياتها إما على الإذعان، أو الرحيل عن هذه الدنيا، وقد شاهدنا ذلك منذ أول خطوة للمسيرة القرآنية، التي بدأت بدور القرآن والحديث، وكذا المساجد، وتوسعت دائرتها لتشمل المدن، وما تعز عنكم ببعيد.
مؤخرًا، جن جنون المليشيا، بعصاباتها المتخصصة، سياسيًا واقتصاديًا وحتى عسكريًا، فما يُعرف بالمجلس السياسي يصدر قرارات تدر لخزينته المليارات، بقرارات تعسفية يدفع ضريبتها المواطن المغلوب على أمره، علّ أبرزها هو منع تداول الطبعة الجديدة من العملة المحلية، ومصادرتها، وفرض غرامات مالية على من يخالفهم، وما أعقب هذا القرار الابتزازي من آثار كارثية على الاقتصاد المحلي، وعلى المعيشة اليومية للناس، وهل كان الحوثيون يأبهون لما يحدث للناس؟
قبل يومين أصدر المشاط قرارًا بصرف نصف راتب كل شهرين لموظفي الدولة في مناطق سيطرتهم وبشكل منتظم، هلل إعلامهم وكبّر لهذه الخطوة العظيمة، والواقع إنهم يملكون أرصدة بنكية وموارد شهرية من القطاعات الخاضعة لسيطرتهم تكفي لصرف رواتب الموظفين المدنيين والعسكريين في كل البلاد، وبهذه الخطوة يؤكدون ذلك، ويحاولون الهروب من المسؤولية، وهذا هو وجه المليشيا الحقيقي، القائم على التجني، والاستفادة من ذلك عبر سلسلة إجراءات ابتزازية قهرية، تزيد آلام اليمنيين، وتشرعن لمراحل من استمرار العبث بمقدرات البلاد بواسطة عصابة انقلابية تحكم بالحديد والنار.
كل ما يصدر عنها لا يخالف توقعاتنا إطلاقًا، بل يتجاوزها، فللجماعة قدرة عجيبة على تنويع أساليبها التنكيلية القهرية بحق المواطنين، وكذا أساليب إدرار المال، وزيادة الدخل بما يضمن لها سيطرة تامة على مفاصل الحياة في المحافظات المخنوقة بها..
بات الأفق مسدودًا لدى اليمنيين؛ فكلما لاحت بوارق نهاية للمرحلة المؤلمة، كلما حل ما يفتح صفحة قاتمة لصراع مرير، أحال اليمنيين إلى حيث لا وطن، وحوّلهم إلى مجرد قاطنين يؤدون مهمة الحياة بما فيها من آلام وملمّات، لا مشاعر، ولا ملذات!
اقراء أيضاً
تهامة.. خارج الحسبة الحكومية
حكومة بلا أجنحة
مبعوث السلام المستحيل