لم يعد باستطاعة أحد تحمّل تبعات حرب مشتعلة منذ خمس سنوات سوى تجار الحروب المتخمين بالصفقات المشبوهة هنا وهناك، وهؤلاء هم حجر عثرة أمام أي توافق مأمول، وحصن منيع في وجه أي محاولة لسلام مفترض، لذا فإنّ المشهد اليمني آخذ في التعقيد مع مرور الوقت، رغم بعض الانفراجات المؤقتة التي سرعان ما تتحوّل إلى هجمة مرتدة تنسف كل ما بُذل من جهد في سبيل تطبيع الحياة، والعمل على تخفيف حدّة الصراع والتوتر، سواء بين الشرعية ومليشيا الحوثي أو الشرعية والمجلس الانتقالي، ولكن المؤشرات والبوادر لا تعطي أي انطباع إيجابي لحلول نهائية على المدى القريب، بل تجعلنا أمام جولات أخرى من الصراع، لا أفق لها، ولا نهاية.
حتى اللحظة صدقت المشاعر الشعبية في تعبيرها عن المخاوف التي أثارها اتفاق الرياض المبرم مؤخرًا في نفوس المعنيين، وهم الطبقة المتأثرة بشكل مباشر، تلك التي لم تهنأ طوال أشهر الصراع في عدن، وعاشت أيامًا صعبة من الترقّب والانتظار المر، دون توقف نهائي للمواجهات إلا بعد أن تدخلت الحسابات السياسية ورجّحت كفة طرف مناوئ للدولة على حساب الشرعية المعترف بها، والتي تحظى بدعم دولي وإقليمي علني، وواقعًا هناك الكثير من التجاوزات التي لا يمكن تفسيرها سوى بأنها تستهدف عمق الدولة اليمنية، وتؤسس لمراحل من الفوضى واللا دولة، برعاية إقليمية وبما يتوافق مع مآرب دول بعينها.
من الواضح أننا نتجه لذات المنعرج الخطير الذي آلت إليه الأوضاع بُعيد الحادي والعشرين من سبتمبر 2014 ومتلازمة الملشنة التي اجتاحت البلاد، وبسطت نفوذًا استقوائيًا بدا جليًا أنه ليس وليد انتفاضة ثورية مدّعاة، بل تصفية حسابات لتراكمات زمنية محشوة بالمناطقية والمذهبية والسلالية، وتلك أوجه تعبّر عن الكراهية، وليس منها غير الخراب والدمار، وذلك ما دأبت عليه مليشيا الحوثي خلال الحروب الستة، وحروب ما بعد الثورة الشبابية، والحرب الفوضوية الكبرى، التي دشنت لما نحن فيه من السياقات الغير مفهومة والتي لا مبرر لأحداثها المتسارعة وما ينتج عنها من صدامات لم نعد نفهم طبيعتها البتة.
إن وضع الاعتبار للإنسان اليمني، وما قدمه في سبيل بلده، والصعاب التي تجشمها والعقبات التي واجهها؛ حتى لا يصبح كافرًا بالدولة، رغم تهيئ الوضع، والحضور الكبير للا دولة، كل ذلك سيساهم في حلول حقيقية لا ترقيعية، وسيصنع سلامًا دائمًا ذا بنية تحتية متينة، فالمتصارعون لا يهمهم المواطن وما يحدث له، إذ لا مكان لديهم سوى للغتي المنتصر والمنهزم، وكلٌ يسوّق نفسه ضمن هذا الإطار، ويصنع له أنصارًا ضمن حسبة معينة، واصطفاء محدد الضوابط والمعايير؛ ليستمر النفخ في النار بما يضمن له أفضلية من حين لآخر!
ما من شك إن السعودية لها اليد الطولى في اليمن، وإلا لما فتحت قنوات تواصل مباشر مع الحوثيين؛ لإيقاف الحرب، والوصول إلى اتفاق ينهي الصراع بينهما، دون علم الحكومة الشرعية المعنية بالوضع، والشريك الواقعي للسعودية على الأرض، وهي كذلك –أي السعودية- من صنعت اتفاق الرياض ورعته، ولا زالت تقوم بدور المتفرج في إطار عملية التنفيذ، التي تجاوزت بعض بنوده المراحل الزمنية المحددة.
لسنا ضد السلام، ولكننا لا نقبل بسلام يدوس كرامتنا، ويستثني تضحياتنا، ويعبر على تطلعاتنا وآمالنا، وينهي كل ما قدّمناه في سبيل دولة يمنية تحتوي الجميع.
إن السلام الانتقائي لا يعدو عن كونه تدشينًا لصراع صفري، سيمثل مرحلة من الفوضى العارمة التي لن تستثني أحدًا، وستدفع السعودية قبل أي دولة أخرى تبعات ذلك، كما يحدث لها اليوم وأكثر، أما نحن، فكثير منّا لم يعد لديه الكثير ليخسره، بعد أن عايش كل ما لم يكن في حسبانه طوال سنوات الحرب الخمس.
على السعودية أن تدرك حقيقة الوضع، وتنظر له بعين مجرّدة لا مجرد محاولة الهروب من مستنقع صنعته بأيديها، وعليها أن تبني حالة من السلام الحقيقي لا السلام المتناقض، الذي تتخلله حالات عاطفية ومشاعرية تتحكم في تنفيذه وتحديد مصيره، تمامًا كما يحدث لاتفاق الرياض اليوم.
اقراء أيضاً
تهامة.. خارج الحسبة الحكومية
حكومة بلا أجنحة
مبعوث السلام المستحيل