لا أحد توقّع أن نصل لهذه المرحلة الدقيقة من عمر الدولة اليمنية، حتى إن كيانات لا تُذكر باتت تتصدر المشهد؛ بغية الحصول على امتيازات طبقية أو مناطقية، أو مذهبية، ولا تخدم بذلك منطقتها ولا محافظتها ولا وطنها، بل تتجاوز الخارطة اليمنية، لتنفذ إملاءات ذات مآرب تعمل على تهرئة الجسد اليمني، وصناعة المزيد من عوامل الشتات، التي أفسدت علينا كيمنيين واقعنا، وسدّت الأفق أمام أي استشراف مستقبلي يمكن البناء عليه للدولة اليمنية المنشودة.
من كان يتوقع أن جماعة اغتصبت السلطة في صنعاء، واحتكرت كل شيء على سلالة واحدة، تدّعي أن الله خصها بالحكم كبطن من قريش، فيما يتباهى زعيمها أنه ابن رسول الله، وأنّه أحق بالولاية والبيعة والتبعية، ويضمّن ادعاءاته ما يُطلِق عليها بالمسيرة القرآنية، وفي الواقع لا شيء من ذلك يُذكر، فمسيرته القرآنية دمرّت دور القرآن، وحاربت الجماعات الإسلامية الأخرى، واختارت الإفساد في البلاد منهجًا لتحقيق ما تريد، وصنعت مسيرته المدّعاة وجودها على حساب آلاف الجماجم لأبرياء تم تصفيتهم وقتلهم بدم بارد، ثم بعد ذلك تحاول تصدير نفسها كحركة وطنية تهتم بالكيان اليمني والدفاع عنه.
اصطنعت الحركة الحوثية أعداء هلاميين لها، بدءًا بالجيش والأمن اليمني، وصولًا إلى كذبة الجرعة المفتعلة يومها، وقبل ذلك كله العداء الوهمي لإسرائيل وأمريكان البعيدين عنا بملايين الكيلومترات، ومحاولة تصدرهم المشهد كحركة إنقاذ، جاء بها القدر الإلهي للتصحيح وتقويم المسار، وقد كذبوا في ذلك وفشلوا بشكل ذريع في تقديم أنفسهم كذلك، إذ كانوا بحاجة لحزب سياسي يعبر عنهم، ويضمن انخراطهم السلمي في العملية السياسية اليمنية، ويقدموا برنامجهم الانتخابي للشعب، وهو الحكم، بحسب ضمانات مخرجات الحوار الوطني، ولكن موجهيهم، ومن أرادوا للنموذج اليمني أن يموت في مهده، أحالوا التجربة إلى فشل واسع النطاق، واستدعوا التاريخ الإمامي، واصطنعوا السلالية والمناطقية، كأسلحة مرحلية لضرب عمق التجربة في مهدها، ومن ثم انتشار الفوضى بشكل غير مسبوق.
شرعن اتفاق السلم والشراكة المنقرض للحوثيين ما قاموا به من انقلاب على الدولة ومؤسساتها، وتلك رغبة الدول المحبّة لليمن -كما تسوق نفسها- وبفضل تعاون وتنسيق متكامل من هوامير حكم صالح، الذي وقع في فخ الحوثيين، وأذاقوه ما أذاقوا الشعب أيضا.
من المؤسف أن التجربة التي أرادوها في صنعاء وفشلت، واجتاحت الحربُ البلاد بسببها، أعادوا العمل بها وإن بشكل أكثر تنقيحًا وبرعاية ثنائية من قطبي التحالف المنقذ، وبين كيان صنعه أحدهما لتنفيذ أجندته، وبصورة أكثر وضوحًا كغصة في حلق الشرعية، كلما حاولت التفرّد بقراراتها، والعمل على مقارعة المشروع الانقلابي، كلما أعادوها إلى مربعهم، وبما يتماشى مع سياستهم وأهدافهم التي باتت أكثر وضوحًا بسبب ما قاموا به على مدى السنوات الخمس الماضية، فالحرب التي أقسموا حسمها في أسابيع، تمددت فترتها، وطال أمدها، وتنوعت نتائجها الكارثية، حتى تفرخت عنها كيانات مناوئة باسم المقاومة والمواجهة وبذات منطق سابقيهم في صنعاء.
لم نعد نثق في التحالف العربي ككيان منقذ لليمن، إذ فشل في تحقيق المأمول للمواطن البسيط، وصنع تجار حروب على كافة المستويات، واخترع لنا العديد من الأزمات التي حشرتنا في زاوية الموت البطيء، وقس على ذلك السنوات العجاف التي كابدنا فيها كل الآلام، بفضل التدخل الغير مدروس، والانحراف الكبير في الأهداف المحددة منذ البداية.
نعرف الحوثيين جيدًا، ولا رغبة لنا فيهم كحاكمين، ولا نقبل بهم ككيان مسلح يحكمنا بالقوة، ولا مجال للتعامل معهم ما لم يخضعوا للكيان اليمني الواحد، ويسلمّوا للثوابت والمكتسبات الوطنية، بعيدًا عن خزعبلاتهم وترهاتهم التي لا أصل لها، حينها فقط يصبح خيار السلام ممكنًا، ودون ذلك فستبقى المسيرة الحوثية قائمة على إجرامها وانتهاكها لليمن وثوابته، وهذا ما لا نطيقه ولا نقبله، فاليمن دولة لا تقبل الخزعبلات وأفكار الشحن الطائفي، ولا ترضى أن تكون مطية لمشاريع تستهدفها وتسعى لتدمير المنطقة عبرها، سنظل شامخين حتى النهاية، ولن نبخل بأنفس ما نملك دونًا عن أرض حبتنا بكل ما نريد، واحتوتنا رغم ظروفها القاهرة، ولا قبول بيننا لمن أراد لها وبها السوء.
اقراء أيضاً
تهامة.. خارج الحسبة الحكومية
حكومة بلا أجنحة
مبعوث السلام المستحيل