ما هذه الرحمة التي غشيت قلوب الأعداء حتى يعلنوا استعدادهم لتخفيف وطأة حصارهم على تعز بعد أربع سنوات عجاف؟ هل اكتشفوا فجأة أن قلوبهم قاسية بعد أربع سنوات من الحصار الجائر؟ أم أن القصة برمتها ليست إلا ضربا من الاستغلال والمحاولة البائسة لصناعة انتصار معنوي وخلق حالة من القبول في نفوس المواطنين الساخطة منذ عليهم منذ سنوات؟
لا يوجد مواطن تعزي، إلا ونال نصيبه من الحصار الجائر، سواء كان في المدينة أو ريفها، في المناطق المحررة أو تلك التي لم تحرر بعد، فالجميع يأخذ نصيبه من لعنة الحصار الحوثي مع وجود اختلاف في نسبة المعاناة بين مواطن وآخر، وبين منطقة وأخرى.
المناورة الحوثية لفتح بعض منافذ المدينة، تبدو مذهلة لدى البعض ممن يمتلكون عاطفة جياشة، وذاكرة مثقوبة لا تحفظ المواقف، وفي لحظة ما يصبح الحوثي كائنا لطيفا يفعل ما عجز عن تحقيقه الجيش في ميدان المعركة، والسلطة المحلية في ميدان السياسة، أما من لا تخونهم الذاكرة، ولا تنطلي عليهم ألاعيب الوقت، فيدركون تماما أن من يملك المفتاح يمكنه فتح الباب متى أراد، وأن الحوثيين يملكون هذا المفتاح!
في أكثر من مرة يجري الحديث عن اتفاق مع الحوثيين، يظهر الحوثيون بنوايا يهودية طبعت على نقض العهود والمواثيق، ولهذا لا يجب أن ننتشي بمكسب لم نناله بعد، أو نطلق العنان لمخيلتنا لتخط المسافة الجديدة التي سنقطعها عوضا عن سابقتها التي تستغرق ساعات ثقيلة ومكلفة.
وحتى لو صدق الحوثيون هذه المرة، فهذا لا يلغي حقيقة أنهم حاصروا المدينة، وفي ذروة حصارهم منعوا دخول الغذاء والدواء وفشلوا في إخضاع وتركيع المدينة وأبنائها، ولا يلغي حقيقة أنهم عصابة امتهنت القتل والإجرام وخاضت في دماء أبناء تعز، وسمنت من المال الحرام الذي تفرضه على المواطنين عند نقاطها المنتشرة بمحيط المدينة.
ومن يدري، فربما يحاول الحوثيون من خلال مبادرتهم -إن صح تسميتها بالمبادرة- أن يذكروا الناس بالمعاناة التي تخنق حياتهم إن كانوا قد ألفوا الوضع أو تأقلموا معه لدرجة نسيان هذا الحصار، وعندما يستبشر الناس بقرب الفرج حتى يتنصل الحوثيون بعد أن يخلقوا انتكاسة لدى المواطنين؛ فتزيد تعاستهم ويستلذ بها الحوثي.
إن حصار تعز، لم يكن انتصارا للحوثيين أبدا، بقدر ما كان شاهدا على عجزهم عن دخول المدينة، وانهزامهم عند مداخلها، وستظل سنوات الحصار أوثق تعبير عن مدى الغيض الذي أحاط بهم وهم يرون جحافلهم تستميت لدخول المدينة، فترتد ملطومة خائبة لا يؤذن لها بالدخول
اقراء أيضاً
سطا الحوثيون على قريتي... فصرنا غرباء
الجريمة في ظل اللادولة
موسم الهجرة القسرية