تشترط إيران على السعودية وقف الحرب على حلفائها الحوثيين في اليمن؛ كمؤشر أولي لأي حوار قادم بين البلدين، ويتغنّى الناطق باسم خارجيتها بما أسماها القدرات العسكرية الملفتة للحوثيين والتي لا يمكن للسعودية وحلفائها تجاوزها أو التغلب عليها، وقد أثبتت الايام حقيقة ذلك.. لقد كان الرجل محقًا في كل كلمة قالها، وفي مضمون كلامه زهو انتصار تحقق للتو على السعودية، التي لم تستطع بقدراتها العسكرية اختراق جدار التحصينات الحوثية، إضافة لتأكيده الواضح على دعم دولته لجماعة الحوثي واستخدامها أداة ضغط إقليمية من خلال ما تقوم به في محيط جيرانها وبالأخص الجارة اللدودة!
في مقابل ذلك، تنفّس الشرق الأوسط الصعداء، بعد أزمة أرامكو التي اعتبرتها السعودية ومعها أمريكا بمثابة إعلان حرب من إيران، وذلك بإعلان ولي العهد السعودي أن الحوار والحل السياسي وسيلة ناجعة لحل الأزمة مع إيران، في تهدئة غير معلنة وخفض لمستوى التصعيد المتبادل بين البلدين منذ أسابيع، وبينهما تتأرجح اليمن، محور الأزمة، ومفتاح الحل، والبلد الذي يدفع فاتورة مثخنة بالويلات منذ سنوات.
يعبّر الإيرانيون عن اليمنيين في الشمال، وبالأخص عن مناطق سيطرة جماعتهم الموالية لهم، فيما تبدو خارطة البلد مشتتة الأوجه، ومنفرطة في تبعيتها الغير مفهومة، فالشمال ليس على قلب رجل واحد حتى قسرًا، فهو موزع بين ثلاث دول، إيران ذات النصيب الأكبر، تليها السعودية، ومن ثم الإمارات، وليس ببعيد، حيث المساحة الأكبر، تملك الإمارات نصيب الأسد، وكذا السعودية أيضًا، ولليمن حضورها الصوري في مناطق التبعية السعودية، وهو نوع من التسكين المؤقت واللازم، في ظل المهاترات القائمة والنزاع الغير معلن بين طرفي الصراع، وفي ظل محاولات الحكومة الشرعية فعل شيء ما يحفظ ماء وجهها!
إن التراشقات الإيرانية السعودية بعيدة كل البعد عن خارطتي البلدين ومواطنيهما، ولا أثر على أي منهما، ووحدها اليمن وأبناؤها من يكتوون بنيران هذا السجال المستمر، فالغارات والقذائف والصواريخ مفعلّة على الدوام، من اليمن وإلى اليمن، أو عبر طائرات الإنقاذ التي تتلذذ بأخطائها المقصودة، وعلى الحدود مواجهات محتدمة يدفع فاتورتها يمنيون دون وجهة!
هناك من يقرر عنا سواء عن صنعاء أو عدن أو حتى العاصمة التي يتم تجهيزها، هناك من يقرر الحرب، ويقرر السلام، ويقرر المجاعة، ويقرر الأوبئة، هناك من يتلاعب بمصيرنا، وآمالنا، هو ذاته من يقتلنا ويوأد حاضرنا ويطمس ماضينا ويصادر مستقبلنا، الأدوات واحدة واللاعبون مختلفون، وأذنابهم المستخدمون كُثر، وإن أتاحوا لنا شيئًا، فإنه لا يتعدّى الكلام، والكلام على هواهم، وبما يتوافق مه رؤاهم، وبما يخدم مواقفهم فقط، ما نحن في عالمهم إلا مستخدمون، وأدوات ضغط يتبادلونها ككرة تتأرجح من يد إلى أخرى.
لا مبرر للإيرانيين بوضع حرب اليمن شرطًا لحوارهم مع السعودية، وكذا بالنسبة للسعودية؛ فنحن دولة لها قرارها وسيادتها، وإن كان من شيء، باعتبارهم داعمين لأطراف الصراع، فحري بهم أن ينظموا مؤتمر سلام يمني شامل، يضع حدًا للحرب، وينظّم وضع البلاد، ويدعمون اقتصادنا بمشاريع استثمارية تضمن عدم الركون إلى أحد منهم، وهذه خدمة جليلة إن توصلوا إليها فسيغفر لهم اليمنيون ما فعلوه بهم طوال السنوات الماضية، وسيمحون كل ما أحدثوه في البلد.
من الواضح جدًا أننا تائهون، لا قرار لنا، ولا شيء بقي لاستخدامه ورقة ضغط ذات تأثير مأمول، فالعاصمة الأولى في قبضة إيران، والثانية تحت سيطرة الإمارات، والقادمة لن تعدو عن كونها ذات ولاء سعودي محض، ونحن نبحث عن الدولة، في أعالي الجبال، ووسط كثبان الرمال، وهذا هو التيه بعينه، لمن لا قرار له!
اقراء أيضاً
تهامة.. خارج الحسبة الحكومية
حكومة بلا أجنحة
مبعوث السلام المستحيل