قال لي صديقي: السعودية دولة ماشية بالبركة، لا دستور ولا قوانين منظّمة، ولا شيء يستندون إليه لتنظيم شؤونهم الداخلية، يكتفون بالمرسومات الملكية، وهي بما فيها تعبّر عن أهواء شخص وبالكاد أسرة، لا تحتوي الشعب السعودي برمته!
ظننته يومها يتحدث عن السعودية من وطأة ما حل به حين كان فيها مرافقًا لأحد الجرحى، لكن الأيام دارت وبدت السعودية دولة تائهة، إلا من بعض التحسينات الداخلية، التي تظن بها أنها باتت منفتحة على الخارج، الذي يكيل لها تهمًا لا تنقطع؛ إذ يعتبرها مصدرًا للفوضى والتشدد الديني، وهو ما تجتهد الرياض لدحضه ونفيه عمليًا، من خلال مئات العروض الغنائية والمسرحية، شملت مناطق المملكة كلها، وهي التي يُحرّم كومندوزها الديني لفظ الموسيقى وليس فقط الاستماع إليها والتغني بها!
على بعد مئات الكيلو مترات منها، دولة محاذية، قررت المملكة دون دراسة أن تتدخل فيها لوضع حد للثورة الناشبة هناك، واستعانت للحد من ذلك بقوة ميليشاوية، سرعان ما تمكنت وكبرت وأخذت من تبعياتها العقائدية أولوية على حساب تبعية المصلحة والمال، ولكن المملكة ذات الاقتصاد القوي سرعان ما قررت خوض غمار حرب غير محسوبة العواقب، قال رجلها الأول، محمد بن سلمان، أنها لن تكلفه عناء ثلاثة أسابيع على الأكثر، وما زال التمديد للأسابيع الثلاثة مستمرًا منذ أربع سنوات، وخارطة البلاد تشهد تمزقًا كبيرًا، في ظل تشتت لم يكن في الحسبان!
تدفع السعودية بكل أسف فاتورة الانجرار في حرب دون وضع دراسة لها، فالحوثيون باتوا أدوات لإيران أولًا، ولكل المشاريع الأخرى الرامية لتمزيقها، وتحويلها مستنقعًا فوضويًا، وتلك المشاريع وجدت ضالتها في الحوثيين، كجماعة دينية متشددة، تؤمن بالسلاح، وبمعتقد ديني يشيطن السعودية ويجعلها هدفًا استراتيجيًا لها، وعلى جنباتها الأخرى تشاطرها شيعة البحرين ذلك، وبذات القدر من العدوانية تشترك مليشيات الحشد الشعبي العراقي في عملية النيل من السعودية.
منذ أشهر والسعودية ساحة مفتوحة أمام عشرات الصواريخ الباليستية ومثلها من الطائرات المسيّرة الحاملة للمتفجرات، حيث استهدفت المطارات المدنية والعسكرية وعددًا من المنشئات الحيوية، حتى وصلت حد استهداف حقول نفطية لأرامكو، وبهذا الاستهداف المتطور، فقدت السعودية قدرتها على تغطية نصف إنتاجها النفطي، في ضوء هذا التطور البالغ الخطورة، لا تزال ردة الفعل السعودية ضعيفة للغاية، وكأن شيئًا ما يأخذ حقه من النشأة حتى يرى النور، والسعودية هي الهدف دون أدنى شك، وهي المسؤولة عن كل ما يجري لها، فحرب اليمن التي احتاجت منها أسابيع، عقدت مسار حسمها، وحولتها عليها وبالًا، حتى وإن كان الفاعل غير الحوثيين، فإنّه يتغطّى بلحافهم، لفعل ما عجزت عنه دول معادية.
تحوّلت الجماعة الحوثية إلى مركز إعلامي يتبنى الهجمات المتكررة على السعودية، آخرها هجوم بقيق الذي يعد الأخطر على المملكة منذ نشأتها، بالنظر إلى الأضرار التي ترتبت عليه، أخطرها إزاحة المملكة عن ريادة سوق النفط العالمية ربما لفترة طويلة، وهو ما لا يمكن أن تقوم به غير دولة، فهذا الفعل المحكم التنفيذ وصاحب طيف من الضرر لا يمكن للحوثيين فعله، فلا قوة الأمس تمنحهم أفضلية الفعل ولا قدرات اليوم، فالمسافة بعيدة، والهجوم مركّز، وأضراره عصفت بالأسهم السعودية، وأدت إلى ارتفاع أسعار النفط العالمية.
استيعاب درس بقيق يجب أن يكون من اليمن، فوضع حد للفوضى التي يختلقها الحوثيون، وتحريك كافة الجبهات معهم كفيل بوضع حد للمهازل التكتيكية التي تفتعلها إيران من أجل إفشال السعودية، التي إن استمرت في غيبوبتها الراهنة فإنها ستصبح بعيدة كل البعد عن الاستقرار، وذلك كله بسبب الأخطاء المتراكمة خلال حربها مجهولة الهدف في اليمن!.
اقراء أيضاً
تهامة.. خارج الحسبة الحكومية
حكومة بلا أجنحة
مبعوث السلام المستحيل