وحدها السعودية من أدخلتنا في دوّامة الصراع المرير الذي نعيشه اليوم، وخضنا تفاصيله وشهدناها واحدةً تلو الأخرى، منذ المبادرة الخليجية حتى إسقاط صنعاء مرورًا بحرب دون أفق مع المتمردين الحوثيين، وصولًا إلى المشهد الأخير من مسرحية إنقاذ اليمن، والذي تم في عدن، وسط صمت سعودي مريب، من دولة تدّعي أنها لن تتراجع عما أسمته بالمهمة التاريخية في جارتها التي تتعرض لعدوان إيراني عبر السلالة الحوثية وأنصارها.
لم يكن السعوديون، وجيرانهم، المتخمون بإيرادات النفط، وثروته السطحية، يريدون لليمن أن تصبح ذات قرار سيادي مستقل عنهم، وعن رؤاهم المعقدّة في المنطقة، وهو ما بدا جليًا من خلال نجاح ثورة فبراير في تعبيد الطريق نحو دولة مستقلة الكيان، منفتحة على أبنائها، مستجيبة لتطلعاتهم، غير أن التدخل الخليجي عبر المبادرة الخليجية أودى بالثورة الشبابية في مهدها، وحوّلها إلى منعطف من المنعطفات التصحيحية، وهو ما أبقى على الحضور السياسي للقوى التقليدية النافذة، ومنها كانت المحاصصة، والمحسوبية، ولا يمر قرار دون توافق الجميع، حتى وإن لم تكن هناك حاجة للتوافق.
شكّلت المبادرة الخليجية مدخلًا مهمًا لأزمة قادمة في البلاد، ومنفذًا لتدخل الأشقاء، ومن حسن نوايا القيادة السياسية، وضعفها، كان الخليجيون بصورة أو بأخرى هم من يديرون اللعبة اليمنية، ويتحكمون بمصيرها، وأعني السعودية على وجه الخصوص؛ كونها المعنية بملف اليمن، ويتوارثه ملوكها عن أبيهم واحدًا بعد الآخر، ولكل منهم فلسفته ونظرته للقيام بواجبه تجاه جارته المثخنة بالأزمات!
بالمبادرة الإنقاذية، تم إحياء الحوثي، وإعادة تشكيله ليصبح رقمًا صعبًا في المعادلة السياسية، وفي الوقت ذاته، حظي بدعم استثنائي لاستخدامه عسكريًا، كورقة ضغط رابحة تجاه القوى التي يُخشى انزلاقها عن الرغبة السعودية، حتى أتم الحوثي اللعبة بنجاح مبهر، حين أسقط صنعاء، وأعاد صياغة المشهد السياسي ماسكًا بزمام الأمور، وسط تصفيق حار من السعودية والإمارات والدول الراعية للسلام وبمباركة أممية، قبل أن ينقاد لمعتقده على حساب مصلحته، ويكمل انقلابه على مؤسسات الدولة، فارضًا أبجدياته وإرادته، بعيدًا عن الإملاءات السعودية الإماراتية، على الرغم من كون الدولتين داعمتين أساسيتين له؛ ليعمل على تقويض الحراك الثوري الشبابي، ووأد قوى الثورة المدنية والعسكرية.
لم يحقق التدخل السعودي المعلن في الـ26 من مارس 2015 نجاحًا حقيقيًا، رغم مرور أربع سنوات عليه، ومضى التحالف العسكري المعلن لإعادة الشرعية وإنقاذ اليمن من الحوثيين في تحقيق سلسلة أهداف لا علاقة لليمن بها، وتقاسمت دولتاه الرئيستان أطراف المصالح، وحددت أهدافها المبنية على مطامع استعمارية احتلالية، وذهبت نحو تحقيقها، مع بعض الإجراءات والخطوات المطمئنة اللطيفة، التي سرعان ما تتعرى مع كل تقدم للحوثي، يعلن به صموده في وجه التحالف، الذي لم يستطع أن يكون واضحًا مع اليمنيين، واكتفى بتحويل البلاد إلى حقل تجارب لأسلحته التي يبرم صفقاتها على الدوام، ومنها صنع حالة صعبة من الفوضى على كافة المستويات، وزاد أن جعل منّا ورقة للمساومة الإنسانية والحقوقية أمام العالم، إذ يصنع الجريمة، ويعمل على معالجة آثارها!
على امتداد المنافذ، وفي المحافظات الحيوية الواعدة، أعادت الإمارات انتشارها بما يضمن لها الحصول على امتيازات السيطرة البحرية، والتحكم بالموانئ، فيما ذهبت السعودية نحو المهرة، في خطوة نبحث – كيمنيين- عن إجابات ناجعة أو تبريرات يمكن استساغتها، وتُرك الحوثي يعبث بالبلاد كما يشاء، يواجهه بعض الصادقين من ابناء البلاد بإمكانيات لا تكاد تُذكر، فالمُنقِذون ذهبوا لتقاسم الكعكة، والمُنقَذون عليهم دفع ثمن الكعكة!
هكذا جرت المسرحية بامتياز، وسط حفاوة من رعاتها، الذين أشرفوا على تنفيذ المشهد الأخير في عدن، التي وجدت نفسها في مشهد تراجيدي مؤلم، كالذي حدث في صنعاء، مع اختلاف الأداة المستخدمة، وما بين العاصمتين شعب يدفع الثمن، وشرعيةٌ معلّقة بضعفها، هي الأخرى لا تدرك ما حدث!
اقراء أيضاً
تهامة.. خارج الحسبة الحكومية
حكومة بلا أجنحة
مبعوث السلام المستحيل