عندما نتحدث عن سلطة العنصرية التي أسست لها الإمارات في عدن، فنحن أمام سلطة تقوم بدورها على أكمل وجه في قمع البسطاء والتضييق على الكادحين والباحثين عن لقمة العيش إنطلاقا من أرضية عنصرية.
بنَفَس مناطقي نتن، تتعامل الميليشيات الموالية للإمارات مع الفوضى التي تجتاح عدن، وعند كل انفجار ضخم أو عملية إرهابية تستهدف المدينة. وبدلا من تحمل مسؤولية فشلها الأمني، فإنها تعوّض ذلك باستهداف العمالة التي تنتمي إلى "المناطق الشمالية" من خلال أساليب الترحيل والإهانة والمصادرة والمنع من دخول المدينة، دون أي مسوغ قانوني، وهذا يعطي صورة قاتمة عن طبيعة الدولة التي يريد هؤلاء الرعاع تأسيسها في جنوب اليمن.
لا أحد حتى الآن يعرف لماذا تعوّض الميليشيات الموالية للإمارات فشلها الذريع في الملف الأمني باستهداف مواطنين بسطاء يكدحون في عدن بحثا عن لقمة العيش؟ هل يعقل أن هذا الكم الهائل من المرحّلين تورطوا في إطلاق الصاروخ الباليستي أو الهجوم بسيارة مفخخة على مركز للشرطة؟ لماذا جاء توقيت الهجوم بعد إعلان الإمارات انسحابها من اليمن ولقاء مسؤوليها مع المسؤولين الإيرانيين لبحث أمن الحدود؟ هل يخطئ البعض عندما يتهم الإمارات بالتورط في الهجمات من باب اعتبارها "عربون صداقة" لإيران عبر بوابة الأذناب؟!
في أكثر من حادثة مأساوية تهّز عدن، يظهر الاستغلال القذر للحادثة، أما الجناة الحقيقيون فلا تطالهم الأيدي وإن كانوا معروفين، لإن الاستغلال القذر يجيد اختيار الضحايا بإتقان لتحميلهم الوزر، بما يحقق الهدف المرسوم سلفا؛ فالإمارات يناسبها استغلال الحادثة الأخيرة باعتبار أن حدوثها يكشف مدى الفراغ الذي تركته خلفها في عدن، وأذناب الإمارات يناسبهم استغلال الحادثة لترحيل المزيد من المواطنين القادمين من الشمال، باعتبارهم يشكلون خطرا ديموغرافيا على دولتهم التي لم تر النور بعد، أما الحوثيون فاستغلالهم للحادثة يأتي من باب القوة التي لايستطيع أحد أن يواجهها، وهكذا تضيع دماء الضحايا وتذهب حقوق البسطاء أدراج الرياح، وهم يترقبون حادثة جديدة وفصل مأساوي من قصص طويلة لاتنتهي.
العنصرية التي تمارسها ميليشيا الحزام الأمني بحق اليمنيين ممن ينتمون إلى جغرافيا الشمال، ليست جديدة فقد سبق لها أن مارستها كإجراء ضروري عند كل عملية تخريب تطال عدن، ومارست أبشع صور الإهانة بحق الكادحين مستعرضة بطولاتها على الأجساد المتهالكة، دون اعتبار للوازع الديني والأخلاقي والكرامة الإنسانية، بينما يسرح القتلة في طول عدن وعرضها، وبعضهم يتولى دورا قياديا في ميليشيا الحزام.
مدينة عدن التي تلقب بثغر اليمن الباسم، أضحت فاترة البسمة، باهتة الملامح، ومستنقع للمناطقية العفنة وشذاذ الآفاق الذين لايتورعون عن تنفيذ جرائم القتل والاغتيال والتفجير، واضطهاد الأيدي العاملة التي لاظهر يسندها ولادولة تحفظ حقوقها وممتلكاتها.
لقد صنعت الإمارات وأذنابها من عدن، مدينة عنصرية تلفظ الفقراء والكادحين، وحاضنة لكل المشاريع العبثية إلا مشروع الدولة، ورغم أن الجميع يستبشر بزوال هذا الوضع البائس في عدن والتغيير نحو الأفضل، لكن المسألة تتعلق بالوقت والثمن الذي سيدفع مقابل هذا التغيير، لإن الدفع أصبح سمة لافكاك منها في ظل الحرب.
اقراء أيضاً
سطا الحوثيون على قريتي... فصرنا غرباء
الجريمة في ظل اللادولة
موسم الهجرة القسرية