كان منزله في أطراف الحيّ..
وكان يشار إليه بتعريف متفرد لا يسبقه أسم أو لقب عائلته (الأستاذ).
ولم يكن غريبا أن تسمع أحدهم يقول جوار بيت الأستاذ؛ أو في حارة الأستاذ؛ أو أتى الأستاذ وذهب الأستاذ.
أصبح معلم من معالم الحي هذا الأستاذ؛ كان لسكان الحي أول أستاذ حط في كوكب تلك المنطقة فأحاطته هالة من التقدير والإجلال.
ثم اكتشفت حين التحقت بالمدرسة أن هناك الكثير من الاساتذة المصريين والسودانيين واليمنيين مع هالة أكبر من التقدير والإجلال.
كان طموحا يثير الإعجاب أن تصبح معلما ليس فقط لضمان الدخل الثابت والمجزئ؛ بل لتلك المكانة للمعلم في عقول الناس.
هذه المهابة والإجلال خسف بها وبأهلها الأرض أخيرا على أيدي الحوثيين.
بل أن الحوثيون يقومون بفرز شريحة جديدة في المجتمع اليمني يضعون من شأنها حتى الحضيض حتى أوشك أن يطلق عليهم فئة المتسولين؛ يصبون على رأسها جام حقدهم وظلمهم.
منذ أول يوم لوصول الانقلاب إلى الحكم وهم يتدرجون في إلحاق الخراب في التعليم وتدمير مكانة ونفسية المعلم حتى صار كائنا محطما يلجأ إلى الانتحار يأسا.
هذا التسليط المركز في إحداث المعاناة للمعلم ليس أمرا سطحيا؛ فالمعلم بالذات يجب إخضاعه وتركيعه كونه مربي أجيال العبودية والجهل التي يطمحون إليها.
قطعوا راتبه؛ وطاردوا ناشطيه وكوادره الكفؤة ومارسوا عليه القمع والتعنت والتجويع حتى يخضعوه.
حتى تلك المعونات التي دخلت اليمن كمساعدات للمعلم يستثنى منها مئات المعلمين في تعنت وإذلال مقصودين.
وأخيرا يحلون بديلا عنه كأن لا حقوق له.
لأربع سنوات تم تخريج طلاب الثانوية في أدنى مستوى تعليمي وأدنى اهتمام بالتعليم ليخرج طالب هذا الجيل الفاشل تعليميا معلم إلزامي لمدارس الجمهورية!
فأي استهانة واستخفاف أكثر من هذا بقيمة المعلم أو فكرة التعليم؟!
ينحدر المعلم معيشيا لينسى عمله وقيمته بسبب الفقر والحاجة فيما الحوثيون يتمتعون بفائض مالي بصورة غير عادية بسبب الضرائب والسوق السوداء والدعم الخارجي ثم يتنصلون من دفع مرتبات الموظفين والمعلمين بالذات.
فأين تذهب كل هذه الأموال وهم لا يدفعون أي مرتبات إن لم تكن سياسة معتمدة وثابتة لتدمير المؤسسة التعليمية ممثلا بالقائمين والمتلقيين لها؟!!
هذه سياسة الانقلاب فما هي سياسة الشرعية في عدم صرف مرتبات المعلمين؟
ماذا تكون غير الفساد واللصوصية التي تعودنا عليها في الانظمة الفاشلة؟ المعلمون بين رحي جماعة إجرامية تثابر للوصول إلى هدفها من تجهيل وقطرنة للشعب وبين شرعية انتهازية لا تقيم وزنا لشعب تستمد شرعيتها منه.
اقراء أيضاً
عمل المرأة بين الحرية والاضطرار
اليمنيون بين قصفين
مستقبل اليمن في إحياء القومية