اليمني لا يخشى على نفسه في غربة الحياة سوى الحنين وذئب الوشاية.
فقد شهد الكثير أن اليمنيين من أكثر الناس التزاما بقوانين البلدان التي يغتربون فيها. يصبحون أشد حرصا من أصحاب البلد نفسه. ربما بدافع الخوف من التهجير والعقوبة، أو بدافع التفاعل مع قوانين يفتقدونها في بلدانهم. لكنهم بمجمل الحال يحفظون تلك القوانين أكثر من أهلها، ويقفون عند الخطوط الحمراء، فلا يتجاوزونها إلا من كان نمرودا غير مبال في كل أمر.
حتى تلك التابوهات الخاصة بالسلطة والسياسة، المحرم الخوض فيها، تجد اليمني يحاول جاهدا "السير جنب الحيط"، كي لا يصطدم بممنوع يؤدي به.
لكن الوشاية ذئبٌ يتربص باليمني في طريق غربته المضنية داخل الوطن وخارجه. والوشاية أن يقوم فاعل سوء بالتبليغ عن الشخص بقصد إلحاق الضرر به بما يكره. وهي سلوك العاجز الذي يشعر بالنقص ولا يرى نفسه إلا حين ينال من الآخرين زورا وبهتانا.
المصيبة أن الواشي يكون عادة يمني، يجد في الوشاية عملا بطوليا وكأنه جاسوس يخدم وطنه في بلاد الأعداء. على غرار رأفت الهجان. ولا عجب فهو يخدم أولاً أسياده الذين يتقرب إليهم؛ ثم مصلحته وأحقاده الشخصية.
والوشاية صارت مسلكا بين الدول نفسها، وليس الأفراد فقط. ورأينا هذا في الأزمة الحاصلة بين الأشقاء في الخليج، حين تسارع كل دولة للوشاية بأختها لدى الأمم المتحدة وأمريكا.
يقال إن القدرة على الوشاية تكون متجذرة في نفس الشخص منذ طفولته في عمل ينم عن قلة مروءة ونذالة. بمعنى أن هذا الشخص وهو طفل كان يستمتع بالوشاية على أخوته لأمهم وأبيهم ..
حتى عندما يأخذون منه عهدا ألا يخون ثقتهم، فيما أتمنوه من أسرار بعيدة عن رقابة الأهل، لكنه لا يقاوم فكرة الوشاية بهم في النهاية، خفية من أعينهم. تزداد فرحته حين تخفي والدته خيانته الصغيرة في نظرها، وتكافئه على معلوماته حول أخطاء أخوته التي أشترك فيها معهم.
وفي المدرسة يكون جاسوس المعلم أيضا. وحين يكبر تصبح الوشاية جزء من شخصيته. فالفتاة التي ترفض أن تقبل به، يشى بها إلى والدها بتساهلها مع الشباب، ويقضى على سمعتها انتقاما لحفظ نفسها منه.
ثم يصبح واشٍ على مستوى الوطن؛ يكتب تقاريرا ضد أبناء وطنه للسلطات. وكلما أشعره الطرف المستفيد بأهميته، انتعشت نفسه وأحس أن عمله مهم فعلا.
يستلذ هذا الرزق السهل، حتى إن لم يجد ما يرفعه في تقاريره اختلق أخبارا ولفق قصصا حول الأشخاص، ليعتاش منها بيسر.
بل أن الوشاية بالآخرين وتعريضهم للهلاك على أيدي السلطات، صارت أقرب للتجارة الرابحة؛ بحسب أهمية الرأس يقدر الثمن، وفي تقديم الرؤوس فليتنافس الأنذال والحقراء.
اقراء أيضاً
عمل المرأة بين الحرية والاضطرار
اليمنيون بين قصفين
مستقبل اليمن في إحياء القومية