ألقت امريكا قطعة النرد خاصتها ليكون القرن العشرين قرناً اسرائيليا بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف، بمساراته، تاريخه وأحداثه، سواء تلك التي وقعت بنية سليمة، أو الأخرى المُبيّته بمؤامرة كونية خطط لها جيداً، أو بتزاحم مصادفات مدهش. لكنها، وكما أرادت، ازاحت خرائط العالم ببرود لتفسح مجالا للدولة الوليدة..
لا يعني وجودك بالضرورة استمرار بقائك في ظل وجود مغامرات على شاكلة محاولة إغراقك في البحر. لذلك كان لازما على امريكا إضافة قرن جديد ألقت على أيامه الأولى قطعة النرد مجدداً، لإعادة صياغة العالم وترسيخ وجود ذلك الكيان بثبات وقوة.
ماذا عنا نحن؟ ما دورنا في كل ما يدور في العالم؟!
نحن في أفضل حال. مازلنا نحتفظ بالنفط، السائل المقدس الّلزج، الذي يمدنا بكينونتا. الاهنا وصنمنا المعبود، هويتنا، وصك بشريتنا، الذي لولاه ما كنا ولا أثبتنا للعالم- مع مرور كل ناقلة نفط- بأننا كائنات حية، وسيتم استمرار الاعتراف الدائم بنا حتى نضوبه، لنعود بعده لسيرة معاركنا الأولى بالقوس والنشاب، والربابة والمزمار- إن افُتي لنا بجواز سماعه بالطبع..
على الرغم من ندرة التساؤلات الحماسية الا أنها مازالت تُطرح: ما مدى قبول المواطن العربي بمثل هذا الكيان؟ أين رفضه وتنديده؟! اناشيده الحماسية؟! ماذا بالنسبة عن المقاطعة الفعالة؟ المظاهرات الحاشدة؟! لينظر إليها الغالبية باستغراب، فلم يعد قلب العربي قادر على تحمل مجهود مثل هذا الطرح، أو يملك الرغبة في اجاباته.
كانت أكبر الأخطاء التي وقعت فيها امريكا ومدللتها إسرائيل، مواجهة العرب كقوة وعدو واحد. ورغم الهزائم التي لحقت العرب إلا أن تكلفة الحرب كانت باهضة حين فاقمت من كراهية العالم الحر للكيان الصهيوني، وألهمت العرب- في لحظة فارقة- بمنع تصدير الكنز الشهي المدفون في أرضها، وهو الأمر غير المقبول بتاتاً!!..
لذلك تم اعتماد الخطة (ب)، والتي لا تستدعي فتح الجبهات أو إطلاق النيران. لن تكون حدود العرب مع إسرائيل آمنة، حتى وإن عمّقت من حفر الأخاديد حولها. إلّا في حالة مضاعفة وتجزئة الحدود العربية-العربية، لدرجة اقامتها ما بين مواطن وآخر، بعد تمزيق جميع ما كان يربط بينهما.
لا ينبغي الظهور العلني لإبعاد أصابع الاتهام. لذلك كان من الأفضل استخدام عدو تقليدي قديم. وتبرعت إيران للقيام بذلك الدور لتقاطع مصالحها ولدغدغة حلم السيطرة القديم. وبحكم معرفتها التاريخية بالمنطقة، كانت الاطول نفساً والأقل في نسبة الخسائر.
فلسنا أمام حرب مباغتة قصيرة، بل أخرى شاملة، تبدأ بقطع الرؤوس ولا تنتهي بتسوية الاوطان بالتراب. كانت الفتنة الطائفية فعالة وتدميرية على مر الحروب التي استخدمت فيها. وكان لها ذلك وتحولت الأوطان إلى كينونات متناحرة، مارست الإرهاب بينها البين بأسوأ اشكاله. حتى أصبحت إسرائيل كلمة لطيفة وربما مطمح ديمقراطي للمقهورين.
تحولت إسرائيل من عدو إلى دولة تتمنى أي دولة شرق أوسطية صداقتها. على الرغم من معرفة الجميع بأن الدماء التي سالت في المقام الأول كان لأجل تثبيت وجودها. إلا أن الانهاك والخوف أصاب الجميع، وصار خيار السلم في الحارة والشارع هدف وجودي بالنسبة للدول المنكوبة، وأولوية لتلك التي تخشى سقوطها.
تقلصت قضية العرب الأولى، ولم يعد تحريرها سوى حوار ساخر، يدار بين خيار تحريرها عن تحرير صنعاء أو بغداد مثلا. لم يعد المواطن اليمني يهتم لما يحدث في رام الله قدر اهتمامه بحجور. يتابع الفلسطيني أخبار غرقى سوريا على شواطئ العالم وهو يشكر الله على سلامة أبنائه. يزمّ الليبي شفتيه حين يحدثه سوداني عن مظاهرات تزمع إسقاط النظام.
ما الجديد إذن؟! ربما كانت صياغة السؤال خاطئة، وتصحيحه هو: ما القديم الثابت على الساحة؟!
من المضحك ان تكون وجوه مسؤولينا وملامحهم هي الثابت الوحيد، رغم معرفة الجميع بزيفها، وانكشاف مقابلاتهم السرية التي لم تعد مزعجة لنا. إلا أنهم مصممون على إثارة اشمئزازنا وهم يرسمون ملامح الامتعاض على ملامحهم لحظة مشاركتهم طاولة الاجتماعات مع مسؤول إسرائيلي "مندهش لتصرفاتهم العلنية"!!
مازال القرن في بدايته، وساحة اللعب مفتوحة بخياراتها. هل مازال العربي قادر على انتزاع نفسه من واقعة المزري، أم سيبقى حجر نرد بأوجه صماء لا قدرة لها على التنبوء؟!
اقراء أيضاً
في رفقة شبح ديمقراطي غربي
الرسام المجرم
"البالة".. تغريبة اليمني