طائرة إيرانية مسيّرة تمكنت من الوصول إلى وجهتها الأخيرة داخل قاعدة العند، وانفجرت على بعد أمتار من منصة حفل عسكري حضره كبار القيادات العسكرية، فاستشهد عدد من أبطال الجيش بينهم اللواء محمد طماح رئيس الاستخبارات العامة وأصيب آخرون بينهم قيادات عسكرية رفيعة.
احتفى الحوثيون بالهجوم ونسبوه لأنفسهم، فيما يشبه احتفاء العبد بفحولة سيده، بينما لم يرقى رد السلطة الشرعية على الجريمة إلى الحد الأدنى مما كان متوقعا.
الرئيس هادي دعا إلى تفعيل جبهات القتال في ثلاث مناطق مشتعلة نسبيا، وهي أصلا خارج إطار اتفاقية السويد، أما نائبه فرأى في الجريمة أنها تشكّل دافعا للعزم والإصرار للمضي قدما في قطع دابر الميليشيا الانقلابية، بينما أصدرت الحكومة بيانا ممتلئا بالشجب والشكوى، وحمل في طياته كم من الذلة والعجز، وطلب مساعدة الخارج لضبط العصابة الانقلابية.
المبعوث الأممي مارتن غريفيث المعروف بانحيازه الكبير إلى جانب الحوثيين، أبدى قلقه من تصاعد العنف ودعا الطرفين لضبط النفس، ولم يجرؤ حتى على الإدانة التي أضحت بلا قيمة من كثر بيانات الإدانة والمدينين منذ إطلاق الرصاصة الأولى قبل أربع سنوات.
ردود الفعل الهشة على الجريمة، كان لوكيل الإمارات في اليمن هاني بن بريك دور فيها، إذ نظر للجريمة من المثل القائل: رب ضارة نافعة، ووجدها فرصة مثالية للقيادات العسكرية المستهدفة لمراجعة مواقفها، وفك ارتباطها بما أسماه "الحلف الحوثي الإخونجي"، لكن الوزير الحوثي حسن زيد لم يشر إلى هذا الحلف عند تعليقه على الهجوم، وإنما تحدث عن تنسيق حوثي مع المجلس الإنتقالي كان سببا في نجاح الهجوم.
بعيدا عن كيفية إطلاق الطائرة حتى وصولها، ووجود فرضيات متعددة عن مساعدة أطراف مناوئة للحوثيين في الهجوم، ألم يكن من الأولى على القيادات العسكرية أن تتخذ احتياطاتها اللازمة، خاصة وأن موقع الحفل يبعد 40 كيلو متر فقط عن أقرب منطقة يسيطر عليها الحوثيون؟ ولماذا لم يتم تأمين مكان الحفل بالإمكانيات المتاحة للتصدي لهذا النوع من الهجمات خاصة وأن الجيش الوطني تعامل سابقا مع هجمات الطائرات المسيرة، وأسقطها في نهم وتعز وصعدة والضالع؟ والسؤال الأهم: إذا كانت الكارثة قد وقعت لماذا لم تعلن جهات الاختصاص عن فتح تحقيق في الحادثة لإظهار استشعارها للمسؤولية على الأقل؟
الرئيس هادي ليس ذكيا كما يعتقد عدد كبير الناس، فأمام جريمة بهذا الحجم، تزامنت مع تنصل الحوثيين من اتفاقية السويد، كان المتوقع منه أن يصدر أوامر عسكرية ولو بشكل غير معلن باقتحام مدينة الحديدة وتحريرها، لأن هذه الفرصة لن تتكر لرجل يفكر بعقلية تابعة، فالحديدة ستصبح تحت وصاية دولية لأمد طويل، في حال نجح الاتفاق المشؤوم.
وإذا كان هادي يخشى المواجهة مع الدول الكبيرة الداعمة للحوثيين في حال واصل معركة الحديدة، فلديه خيارات أخرى متاحة ومؤثرة، كتفعيل جبهة تعز وإمداد الجيش الوطني فيها بالأسلحة والمعدات الثقيلة، وإن خاض مواجهة مع من يفترض أنهم حلفائه، ممن لديهم الرغبة في استمرار الحصار الحوثي لتعز، واستخدامها كورقة ضغط ومساومة عندما تستدعي الحاجة ذلك.
لقد كشفت جريمة العند بوضوح، مدى توغل المنظومة الحوثية في المناطق المحررة في اللحظات المفصلية، ومدى هشاشة ردود الفعل من السلطة الشرعية، التي تقوقعت داخل دائرة التبعية، وتنصلت من مسؤوليتها التاريخية والأخلاقية، تاركة البلد أرض سائبة يستعمرها كل من هب ودب.
اقراء أيضاً
سطا الحوثيون على قريتي... فصرنا غرباء
الجريمة في ظل اللادولة
موسم الهجرة القسرية