تتقاطع مصالح الاستعمار أو على الأقل ذاكرته الاستعمارية مع مشاريع ما قبل جمهوريتي اليمن في شمال الوطن وجنوبه، ويبد أن بقاء تلك المشاريع أو عودتها شرط موضوعي لبقاء خيوط الاستعمار أو لعودته وإن بطرق ناعمة.
لقد بان جليا خلال المرحلة المنصرمة من عمر الحرب التي شنها الإنقلابيون على الشرعية التوافقية _ والتي كانوا جزءا منها _ انحياز المجتمع الدولي الواضح أو دعمه الخفي لهم، وبالرغم من وجود قرار مجلس الأمن2216 القاضي بتسليمهم لمؤسسات الدولة التي سيطروا عليها وانسحابهم من المناطق التي اغتصبوها بقوة السلاح إلا أن القرار ظل شكليا دون بذل أية جهود من قبل مجلس الأمن ومن يقف وراءه لإلزام الحوثيين والمتوفى صالح لتحقيقه، بالعكس تمام كانت الإشارات الخضراء غير المباشرة تسرج للحوثيين وتوحي لهم برغبة المجتمع الدولي في الاستمرار في هذا الطريق ( طريق إسقاط الدولة والشرعية بقوة السلاح ) .
بريطانيا هي أكثر هذه الدول حماسا للحفاظ على الحوثثين وفرضهم في المعادلة كفاعل أساسي ولولا وجود التحالف لفرضتهم فاعلا أول وشرطيا على بقية القوى التي تمثل الشعب اليمني، حين تقدمت قوات الجيش الوطني وكادت تستعيد ميناء الحديدة خرج الموقف البريطاني من خلف الكواليس لعيبر عن رفضه التام لاستمرار تقدم قوات الشرعية ويوصفه بأنه سيكون حدثا يفاقم المعاناة الإنسانية التي يرزح تحت وطأتها شعبنا منذو اندلاع الحرب وحتى يومنا هذا... لماذا بالضرورة يمثل تحرير مدينة الحديدة مع مينائها مفاقمة للأزمة الإنسانية من وجهة نظر انجلترا ؟، الحوثيون يستثمرون عائدات هذا الميناء الأهم في البلاد لتغذية جبهات الحرب في الوقت نفسه الذي تخلوا عن أي التزامات سابقة كانت الدولة تؤديها تجاه مواطنيها وموظفيها ما يعني أن تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن مرتبط ببقاء الحوثيين مسيطرين على مدينة الحديدة ومينائها لا العكس، هذا فضلا عن أن الحوثيين يستولون على كل المساعدات والإغاثات التي يمنحها العالم ويوزعون جزء منها على أنصارهم والجزء الآخر يبيعونه بأسعار باهظة لنفس الهدف ، هدف دعم جبهات القتال .
لقد أثار تقدم الجيش الوطني حفيظة بريطانيا إلى الحد الذي شعرتُ معه أن جيشنا يستولي على ميناء بريطاني لا أنه يستعيد أحد مواني الدولة اليمنية من أيدي متمردين سيطروا عليه بقوة السلاح .
ليس بريطانيا فقط بل وحتى ألمانيا وفرنسا تبديان تعاطف واضح مع الحوثيين فالأولى تربطها علاقات فساد تتعلق بتهريب الآثار تحديدا والثانية تنهب غاز اليمن بثمن بخس ولا تريد أن تعيد الشرعية سيطرتها على اليمن فيتم تحريك هذا الملف المجحف الظالم بحق اليمنيين كما تم تحريكه إبان مرحلة الحوار الوطني فبل إسقاط الدولة .
أما بريطانيا فواضح بعد خروجها من الإتحاد الأوربي سعيها لإيجاد مواطئ قدم جديدة تستمد حيثياتها من تاريخ استعماري قريب عهد يحتم عليها أرشيفه أن تعمل على تنمية ودعم القوى ودن الوطنية في وجه قوى المشروع الوطني التي ناهضت وجودها الاستعماري وسعت بعد الجلاء إلى بناء دولة سيادية على أنقاضها.. من هذا المنطلق يتضح لنا الدعم البريطاني للحوثيين كما يتضح أيضا عدم حماس الدول الأعضاء في مجلس الأمن لإلزام الحوثيين بقراراته القاضية بإنهاء الانقلاب .
ما لم تصل الشرعية مع التحالف إلى مستوى يجعل منهما قادرين على الاستمرار في قهقرة الحوثي والإطاحة به أيّاً كانت ضغوط المجتمع الدولي وتعارض مصالحه مع هذا المسار فإن معانات اليمن ستطول ورحى الحرب لا يمكن أن نتنبأ بتوقفها، وفي النهاية ستفيق دول التحالف على هزيمة لا انتصار إذا ما انتهت الحال إلى تسوية نصفها قائم على شروط الحوثي المدعومة بتأييد دول كبرى، ستكون المسألة مجرد ترحيل للحرب إلى فترة يكون فيها الحوثي أكثر جاهزية وأهلية للقضاء على شركاء التسوية كما يفعل حزب الله في لبنان تماما، العالم يغض الطرف عن معانات اليمنيين وفقط يتحدث عنها عندما يتعلق الأمر بالرغبة في إيقاف تقدم الجيش الوطني وتراجع الحوثيين، ومرة أخرى ما زلت لا أفهم بالضبط كيف يربط المجتمع الدلي تقدم الجيش الوطني بمزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية ، لما لا يعني نهاية الحرب وما تخلفه من مآسٍ ودمار ؟، لست أدري !! .
اقراء أيضاً
بل كانت حربا على الحياة برمتها
"العودة".. حلم نازح
الجُهد الوطني المهدور