في الغالب، تدرك الأنظمة قوة الرأي العام أكثر من العامة أنفسهم، أي أن الرأي العام هو قوة الشعوب التي يجهلها كثير من مواطنيها. كان من أهم إنجازات ثورة 11 فبراير خلق رأي عام في اليمن، مع لجوء كثير من الشباب لشبكات التواصل الاجتماعي كآليات للوصول والحشد والمناصرة وكسر احتكار الصحافة والإذاعة والتلفزيون كوسائل وصول جماهيرية والتي كانت محتكرة وموجهة غالبا من قبل السلطة أو جهات محسوبة وممولة منها.
غير أن وسائل التواصل الاجتماعية لم تكن بمنأى عن التوجيه المنظم سياسيا، دوليا ومحليا. وليست ببعيدة الاتهامات لشركات روسية في توجيه الرأي العام الأمريكي قبيل الانتخابات الرئاسية في 2016 وفضيحة شركة " كامبردج انتيكا" ببيع بيانات لمستخدمي فيسبوك لجهات سياسية وتجارية. أو ظاهرة الذباب الإلكتروني في "تويتر" وهي حسابات مزورة مدارة من مراكز أمنية ومخابراتية لشن الحملات بفرض التأثير على الرأي العام.
أصبحت وسائل التواصل بيئة خصبة للترويج للأحداث الزائفة "Pseudo Events" وهي حدث يتم تنظيمه وتقديمه لعامة الشعب بطريقة تجعلهم يرونه حدثاً ذا أهمية اخبارية، ويسرد دانييل بورستين أربع صفات للحدث الزائف 1-أنه لا يحدث تلقائياً، 2-يتم تقديمه بطريقة تتيح له الانتشار عن طريق وسائل الاتصال والتواصل، 3- يكون هناك غموض حول الواقع الضمني والخفي للموقف، 4- أن الحدث الزائف هو نبوءة تخدم نفسها حيث إنه يعرض ويمثل أهميته ودلالته، وفي الوقت نفسه، يعرض لمتطلبات ومبررات تلك الدلالة.
ويضيف: "يجب عدم إغفال الدور الهام الذي تقوم به الأحداث الزائفة في تحقيق الأهداف السياسية حيث تعد تلك الأحداث حجر الأساس للدعاية وعلم السياسة بصفة عامة".
في حالتنا اليمنية، تظهر كثير من الأشياء التي سرعان ما تصبح "قضية" رأي عام رغم تفاهتها بالمقارنة مع قضايا وجودية تمس حياتهم ومصيرهم. وما يثير الشك أن كثير من التفاهات التي توجه لتصبح شغلا شاغلا ومحتواً رئيسيا هو تفجرها مع قضايا تمس وجود شعب يعيش في حالة حرب وتهديدات لوجوده وكيوننته.
والقول إن الأطراف السياسية المحلية والدولية المؤثرة والمهتمة والداخلة في الملف اليمني لا يفرق معها آراء الناس وحديثهم واهتماماتهم اليومية أمر غير دقيق، ويدخل في إطار جهل القوة الكامنة للرأي والوعي العام في كبح السياسات التي قد تمس وجود وسلامة الشعوب. وإن كانت هذه الأطراف لا تخاف من رأي الناس، فلماذا تراقب وسائل التواصل وتشكل طواقم للمراقبة والتوجيه وتفرض حتى عقوبات رواد شبكات التواصل بسبب المحتوى الموجود فيه.
نستحضر هنا حملة الرأي العام ضد التواجد العسكري الإماراتي في سقطرى، الأمر الذي أرغم ابوظبي على التراجع وإصدار بيانات من وزارة خارجيتها تنفي وجود أطماع إماراتية في الجزيرة اليمنية. وأيضا الحملة المطالبة بعودة الرئيس هادي إلى عدن باعتباره تحت الإقامة الجبرية في الرياض، والتي نجحت بأن عاد إلى قصر معاشيق.
القضايا الزائفة يتم اخراجها للجمهور بشكل تبدو فيه عفوية وغير موجهة، لكن يمكن كشفها بالبحث عن مصدرها وبدايتها.
لنأخذ على سبيل المثال "هشام الشويع"، فلا مكان وجوده ولا ظروف المادية وطريقته في اظهار والتسويق لنفسه يجعل الأمر عفويا. وهذا يعني أن ظاهرة "الشويع" يفترض ان تخضع لكونها وسيلة إلهاء وحرف الرأي العام بأمور جانبية يتم التعامل معها بجدية من قبل البعض بأن توضع في سياق حالة الفن أو سخرية من قبل البعض الأخر وفي الحالتين يحقق المخرج غرضه بأن خفف الضغط على نفسه وصرف الأنظار عنه للتفرغ لمشروعه دون إزعاج أو ضجيج أو تشتيت قد يعرقله أو يعيقه.
في الدخول في تفاصيل هذا المثال الذي ينطبق على أمثلة أخرى كثيرة تمر علينا مرور كرام بعد أن تكون قد حققت غايتها ووصلت لغرضها.
حالة الشاب المادية متواضعة ومغترب في السعودية من أجل البحث عن عمل ولم يجد عملا. ويقوم من عام بنشر مقاطع مسجلة في جروب "مواهب يمنية" ربما كنوع من التسلية أو أنه مؤمن بأنه موهوب غنائيا.
فجأة يصبح له فيديوهات مصورة وطاقم تصوير وموزع موسيقى ومخرجه إلخ ويتحدث عنه الكثير ويتداولون أغانيه على سبيل السخرية. هذا الانتقال في مسيرته "الفنية" يثير الشك لشاب معدم وعديم الموهبة الصوتية، يضعنا أمام احتمالات:
-ربما إن كان غنيا نستطيع القول إنه قام باستئجار وفريقه ليسوا متطوعين مؤمنين بالموهبته فهو بدون موهبة غنائية، وطاقمه لا يمكن أن يتفرغ له إلا كمقابل مادي ولا يهتم حينها الطاقم بعدم وجود الموهبة طالما أنهم يتلقون مقابلا ماديا.
-أن جهة ما عرضت عليه الدعم ماديا من أجل تصوير وإنتاج فيديوهات غنائية بما فيها الأجهزة والطاقم، ثم قامت بالترويج له عن طريق مجموعة رواد شبكة التواصل.
أمر آخر يثير الشك بقوة في حقيقة "هشام الشويع" هو وجوده في المملكة العربية السعودية، وتمكنه من التصوير في أماكن عامة دون الحصول على تصريح من السلطات التي تمنع ذلك إلا بتصريح. وإن كان قد حصل على تصريح فكيف لم تقم السلطات بالتحقق منه كفنان يمنح تصريح بالعمل كفنان وأن تأخذ السلطات الأمر بجدية في منحه التصريح. أيضا، أن الشويع يسرق الألحان والكلمات ويرددها ككليبات دون منعه أو إيقافه.
*المقال خاص بـ"يمن شباب نت"
اقراء أيضاً
منحدر المجاعة في اليمن
جندرة الحرب اليمنية
بين الكنيسة الأوروبية و القبيلة اليمنية