بعد نحو ثلاثة أسابيع على انطلاق معركة تحرير الحديدة، والتي نجحت في السيطرة على مطار المدينة، أعلن أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي إيقاف المعركة، استجابة لجهود الأمم المتحدة الرامية إلى إيقاف المعركة، بينما أكد الحوثيون مواصلة المعركة دون اكتراث للجهود الأممية.
المعركة العسكرية لتحرير المدينة، التي قام بها الجيش الوطني منتصف يونيو/حزيران، بدعم من دولة الإمارات، كان كثيرون يتوقعون نجاحها خلال وقت قصير، لكن ثمة حسابات سياسية كانت كفيلة بإيقاف مسار المعركة، وتأخيرها حتى إشعار آخر.
برغم تأكيدات السلطة الشرعية على مواصلة معركة الحديدة، ورفضها للضغوط الأممية، إلا إنها تفتقر للإستقلالية الكاملة في اتخاذ القرار، نظرا للظرف السياسي والعسكري، الذي جعلها تضع حسابات الدول المشاركة في التحالف العربي في كل خطوة عسكرية وسياسية تقوم بها.
تندرج معركة الحديدة ضمن معركة تحرير الساحل الغربي لليمن، وهي معركة بدأت منذ ثلاث سنوات، وظلت تسير ببطء شديد في بدايتها، قبل أن تسرّع وتيرتها عقب تحرير مديرية المخا مطلع العام الماضي، وتلعب دولة الإمارات دورا بارزا في سير هذه المعركة، وهو ما يعني امتلاكها صلاحيات واسعة في السيطرة على القرارات العسكرية المتعلقة بهذه المعركة.
حتى اللحظة لا تزال معركة تحرير مدينة الحديدة رهينة حسابات سياسية دولية وإقليمية، وجميع هذه الحسابات تصب على الأغلب في مصلحة الميليشيا الحوثية، التي تمتلك دعما سياسيا تقف خلفه دول كبرى كالولايات المتحدة وبريطانيا ودول في الإتحاد الأوروبي، وضغوطات الدول الكبرى بطبيعة الحال يشمل حلفائها في دول الخليج العربي، ومن هنا يمكن فهم القرارات الإماراتية المتعلقة بمعركة الحديدة.
الإمارات أعلنت بداية أنها لن تشارك في المعركة ما لم يكن هناك توافق مع واشنطن بهذا الأمر، ثم قررت المشاركة بناء على عدم وجود اعتراض أمريكي ثم رضخت للضغوط الغربية المكثفة بوقف المعركة وأعلنت عن إيقاف المعركة، مع ضرورة الإشارة إلى أن الإمارات تشارك بدور رئيسي في المعركة لتحقيق مكاسبها الخاصة بها كما فعلت في أكثر من منطقة، وبالمجمل فإن تذبذب الموقف الإماراتي فيما يخص معركة الحديدة، إنما يعكس الحسابات والمواقف السياسية المتداخلة لدى صناع القرار في الولايات المتحدة وبريطانيا والإتحاد الأوروبي ومنظمة الأمم المتحدة، وهذه الأخيرة لعبت دورا خبيثا في إيقاف المعركة تحت دعاوى ومبررات إنسانية.
عملت الأمم المتحدة منذ فترة طويلة على منع أي معركة عسكرية لتحرير مدينة الحديدة من قبضة الحوثيين، ودائما ما كانت تتبنى وجهة النظر الحوثية التي تتدثر برداء الإنسانية، وكان من نتاج هذا التقارب أن أعلن الحوثيون موافقتهم على أن تلعب الأمم المتحدة دورا قياديا في إدارة ميناء الحديدة مقابل وقف تحريرها، وهو الموقف الذي رحب به مبعوث الأمم المتحدة مارتن غريفيث، ويحاول فرضه على السلطة الشرعية، مع أن الأصل أن تقف الأمم المتحدة إلى جانب قرارات مجلس الأمن المتعلقة بإنهاء الانقلاب وعودة السلطة الشرعية.
موقف الأمم المتحدة الذي يعبر بالأساس عن الموقف الأمريكي، يسعى لتمكين الميليشيا الحوثية، والتصدي لأي خطوة يمكن أن تسبب انهيارا لها، وإذا كانت الأمم المتحدة تشدد على أن موقفها من معركة الحديدة يرتكز على أساس إنساني، فهذا غير صحيح إذا ما وضعنا في الاعتبار صمت وتواطؤ الأمم المتحدة مع الحوثيين تجاه الوضع الإنساني في مدينة تعز التي يحاصرها الحوثيون منذ ثلاث سنوات.
تدرك الولايات المتحدة والأمم المتحدة، أن تحرير مدينة وميناء الحديدة سيشكل ضربة كبيرة للميليشيا الحوثية، وسيؤدي إلى تغيير موازين القوى على الأرض لصالح السلطة الشرعية، وهو ما يفسر وقوف هذه القوى الاستعمارية في وجه تحرير المدينة، لأن ذلك لا يتناغم مع سياساتها في إطالة أمد الصراع وإبقاء البلد رهينة للحرب والفوضى.
بالمجمل فقد ساهمت الحسابات السياسية الغربية في منح الحوثيين وقتا كافيا للاستعداد والجاهزية لمواجهة أي تحرك عسكري لتحرير المدينة، وهو ما سيؤدي إلى تأخير حسم المعركة لبعض الوقت، وأيضا التفكير مليا في الكلفة البشرية والمادية التي ستدفع كثمن لتحرير الحديدة، وتخليصها من جوقة الانقلاب الحوثي.
اقراء أيضاً
سطا الحوثيون على قريتي... فصرنا غرباء
الجريمة في ظل اللادولة
موسم الهجرة القسرية