"كرة القدم هي الأوبرا التي يعزفها البشر جميعاً". ستافورد هيجينبوثام
برغم تشفيرها وحجبها عن فقراء العالم، مازالت الركلة الأولى لكرة كأس العالم هي الفاتنة صاحبة الشعبية الأولى، الساحرة التي كان ميلادها على يد المحامي الفرنسي "جولز ريميت" عام ???? في الاوروغواي، ومازالت تحيا بعنفوان شابة، أزاحت عن روسيا برودتها في عامنا ????.
كاس العالم الذي يجعلك تقفز من الفرحة حين يوافق توقعاتك، وتتعجب لمفاجأتها، ضارباً كف بكف دون أن تزيح نظرك عنها. لعلها اللعبة الوحيدة التي جعلت الجزء النسوي الغير مهتم بالرياضة ينحني لها صاغراً وهي تعد الأيام لانتهاء بطولتها!!
كما تطورت لعبة كرة القدم وقوانينها، تطور احتفال المونديال، ولم يقتصر انتظارنا على مبارياته، بل امتد ليشمل تميمة حظ وعراف غريب يتبدل مع كل مونديال من اخطبوط لزج إلى قطة ذات فراسه. حتى الأغنية المرافقة له أصبحت مجالا خصبا للتنافس كل أربع سنوات بين أفضل مغنيي العالم. وقد تقاسم أغنية هذا المونديال كل من المغني البورتريكي فيكي جام، والالبانية ابرا استريفي. والمفاجأة الأجمل بمشاركة الممثل الأمريكي ويل سميث.
لا أعرف سر الشغف المجنون بهذه اللعبة، رغم وجود العديد من الالعاب الجماعية، الا أن تعلق الجماهير بها فاق كل الحدود. بعيداً عن جماليات اللعبة التي لا يختلف عليها أحد، قد يكون الشعور الخاص الذي تمنحه اللعبة لمشجعها برفعه راية النصر، دون وعي منه، على تلال هزائمه الشخصية دون حاجة لقتال دموي أو معارك بخسائر لا يتحملها في لحظة فوز مسالمة لا أنياب لها.
لا تبتعد السياسة عن كرة القدم، فهي حاضرة على الدوام. لذلك حمل كاس العالم طعم مميز. لا أحد يتجاهل التوتر الذي ما زال حاضراً كلما تأهبت انجلترا للعب ضد الأرجنتين، أو ذكرى حرب "المائة ساعة" أو "حرب كرة القدم" التي كانت الفتيل المفجر لخلاف سياسي قديم بين دولتي الهندوراس والسلفادور.
لم يجد المناضل نيلسون مانديلا متنفساً له غير المستديرة الساحرة في سنوات سجنه الطويلة. يقول مانديلا: "عندما كنا في جزيرة روبن حيث السجن، كان الراديو منفذنا الوحيد نحو بطولة كأس العالم، وعبر كرة القدم استطعنا أن نحتفي بالإنسانية في الطرف الجنوبي للقارة الإفريقية، ونتشاطر ذلك مع بقية أنحاء القارة والعالم".
قد تكون فكرة رفع أحد ما علم بلاده، تشجيعا لمنتخبه، يجعلك تشاهد خريطة البلد بأكملها. تلهث خلف الكرة مناورة الخريطة الخصمة بحثاً عن هدف، وأنت تسمع هتافات الملايين ترج الملعب خلف شاشتك وقد تحولت لخبير رياضي متفوق على المحللين والحكام ومدربي اللعبة في المستطيل الأخضر.
للأسف، حُرِمَ المواطن العربي من تلك الأوبرا التي يعزفها العالم، وقد أمسى المونديال عقدة عربية عصية، يحاول تخطيها وهو يبحث لنفسه عن موضع قدم لتنافس حقيقي كلما اقبل عليه.
على الرغم من أن العرب لم يكونوا بذلك البعد عن بداياتها الأولى (شاركت مصر فيها مبكراً عام ????)، لكن الحال تغير واصبح الخروج المشرف- والذي قد لا يكون متاحاً في أغلب الأوقات- هو الباب الذي يقودنا للخروج السريع ..!
لم يتوقع أكثر المتفائلين وصول أي من المنتخبات العربية إلى مراحل متقدمة، إلا أن خروج الفرق العربية يصيب مشجعيها بخيبة آمال كبيرة، تجبر مسؤولي الكرة على تجهيز قرار إقالة المدربين قبل وصول طائرات وصولهم لإزاحة تبعات الفشل عن كواهلهم ..! ولسان حال المشجع العربي يصيح: أين يكمن الخطأ؟!..
لعل أكبر مشاكل الرياضة في منطقتنا العربية، نظرة البعض إليها على أنها رفاهية ليست مناسبة لأوضاعنا المتردية في ظل الأزمات التي تلاحقنا، متجاهلين أن اللعبة أصبحت جزءا أساسيا من هوية الشعوب، يقاس بها مدى حضارة أي مجتمع؛ ظاهرة ثقافية تجري على قدمين، تهملها بعض الحكومات، وتفسدها قرارات حكومات أخرى، ويستغلها البعض كوسيلة بسيطة لتنفيس المواطن عن همومه وافراغ شحنة كبته فيها ..!
باختصار؛ كرة القدم منظومة كاملة، لا تبدأ من حشائش الملعب بل تنتهي فيها؛ منظومة لا تستطيع التنفس والعيش في بلاد حرمت من الديمقراطية والحرية والتخطيط الجاد، الذي يكفل للمواطن حياة إنسانية لائقة سواء على الصعيد السياسي، الاقتصادي، الاجتماعي، أو الثقافي ..
اقراء أيضاً
في رفقة شبح ديمقراطي غربي
الرسام المجرم
"البالة".. تغريبة اليمني