اعتقدت طويلاً أن "الجوكر" هو الشخص الذي يقضي معظم حياته بإلقاء النكات والمزحات الثقيلة على من حوله، وقد علق الاجراس على رأسه واكتافه. لم يكن وجوده بالنسبة لي على أوراق اللعب يمثل أي قيمة أو فائدة سوى لإرضاء الصغار المحيطين حول اللاعبين وكف اذاهم عنهم ..
حتى أدركت متأخرة بأن تلك الورقة الملونة، التي تعلو أوراق اللعب، يمكنها أن ترجح كفتك وتكسبك معركتك إن أصابك حظها، فهي تقضي على خصومك بربح غير عادي وبضربة واحدة ..
ربما لا يبقى الجوكر ثابتا في عقولنا كما نتصوره "ورقة اللعب الملونة البريئة"، فقد صنعت منه السينما العالمية أكثر الشخصيات شرا في تاريخها. فكونك جوكر لا يعني بالضرورة امساكك بناصية الحظ الموفق فقط، فالشر هو محركك الذي يقودك على هواه ويحملك من الخطايا ما لن تستطيع فاتورتك على دفعه ..
مأساة كونك مواطن عادي، في أراضي إصابتها الحرب، أنك تتحول مع مرور الوقت لورقة لعب عادية، لا مكان لك على ساحة معركة تستخدم الجواكر فيها. تملك من الفراغ ما يجعلك تتسلى بقتل الملل والوقت، متابعاً اللعبة على خرائط المعركة على أمل انتهائها بواسطة أحد الجواكر الخاصة بك، أو لمجرد إحصاء وجوهها المتقلبة ذات الاصباغ، وقد استغنى عنك اللاعبون ليلاحقوا الأوراق المتطايرة من بين أيديهم ..
قد نحسن الظن حيناً في الجواكر القديمة، الذين قد ينفضوا يوماً غبار ثباتهم في مواقعهم. نسوق لهم الأعذار والتبريرات التي لم تعد تقنعنا، وقد تقمصتنا النهايات المفاجئة للأفلام السعيدة، بعد أن احترقت ورقة أكبرهم الذي دار طويلاً بين أيدي ولاءات اللاعبين. وحيناً نحفز أنفسنا لتشجيع الجواكر الجديدة وقد تنازلنا عن مسلمات كنا نظنها ثابته فينا كثبات مبادئنا!!..
للأسف لا شيء ثابت في الحروب. حتى المبادىء قد تبدل ثيابها مع تعدد الولاءات وتشطرها. حليف اليوم، والجوكر القوي الذي تحارب به، من الممكن أن تعاديه غداً، مجرداً إياه من كل مواقفه السابقة، والعكس صحيح. فمن يريد أن يقبض على أطراف الحرب يجب أن يكون مرناً سهلاً، ويقبل بشروط اللعبة، وقد قبلنا بشروط الحرب على أمل انتهائها ..!
وللأسف، يبدو أن الجواكر التي تلعب لعبة الحرب لليمن فاقدة للحظ. برغم ما قدمناه من تنازلات، لم تساندها الخبرة القديمة على رفع راية النصر، ولم يقف حظ المبتدئين ليشد من عزيمة أحد المستجدين..!
هل أخطأت الجواكر حين تجاهلت تقاطع أهدافها القريبة، وابتعدت عن ساحة اللعب لتمد بصرها لما يلي تلك الأهداف؟ أم أن تعددها وتعدد ولاءاتها هو المتسبب في ذلك؟ لعلها لا تختلف عنا نحن أوراق اللعب عديمة الجدوى التي قبلت بيأس وصمت عجزها وكونها مجرد ورقة لعب في يد غيرها.
لقد أخطأنا في حق أنفسنا وحق هذه الأرض حين أعلنا من البداية الموافقة على خوض حرب دون قراءة شروطها، وإجراء حساب بسيط لمخاطر الربح والخسارة فيها.
حين سمحنا لأيادي لاعبين يحملون اجندات مختلفة لا تتطابق بالضرورة مع أهداف الحرب المعلنة، تكاسلنا عن إنقاذ مصيرنا، ونحن قاعدون بانتظار نجدة تحمينا من جوكر شر مجنون بائس تسبب في جرنا لمهزلة سندفع ثمنها طويلا ..
اقراء أيضاً
في رفقة شبح ديمقراطي غربي
الرسام المجرم
"البالة".. تغريبة اليمني