على غير عادتها غابت الاحتفالات بعيد الثورة في محافظة إب هذا العام ،المحافظة التي أشعل أبنائها ثورة السادس والعشرين من سبتمبر المجيدة لم تحتفي بالمناسبة ولم تظهر فيها أي مظاهر احتفائية بعد أن كانت سباقة في الاحتفاء بها طوال السنوات الماضية.
من غير تعب ولا مشقة في البحث عن الأسباب والمسببات، فالمحافظة التي ثارت ضد الإمامة والكهنوت وقدمت قوافل الشهداء يحكمها اليوم ورثة الإمام الهالك وأحفاد الكهنوت الإمامي البغيض وهذا بحد ذاته كفيل بانتقامهم من إب وكبح جماحها الثور ، حيث ترزح منذ أكتوبر 2014م تحت سلطة الانقلابيين وغيابها عن احتفالات ثورة 26 سبتمبر علامة ظاهرة عن الموصل التي وصلت إليه المحافظة بعد عامين من الاحتلال المليشاوي لها.
كيف احتفى الثوار بالثورة؟
ليس غريباً على أحد ثورية إب وأبناءها وتضحياتهم في سبيل كل الثورات التي خاضها اليمنيون للتخلص من الحكم الإمامي والتسلط الفردي الاستبدادي،والتأريخ القديم والحديث حافل بالأحداث والبطولات التي سطرها أبناء المحافظة في كل الميادين وعلى كل الأصعدة،واليوم وفي الذكرى الـ 54 للثورة اليمنية المجيدة وجد ثوار إب أنفسهم أمام سلطة أمر واقع تحكم محافظتهم بنفس آليات حكم أجدادهم الأئمة،ووجاهات اجتماعية ترضخ لكل قبيح يأتي من هذه المليشيات،فاحتفوا بالمناسبة وسط كل هذه الواقع المؤلم إما بين جبهات القتال في تعز ومأرب وميدي والجوف ونهم،أو خلف جدران الغياب القسري المفروض عليهم جراء الملاحقات،أو بين زنازين الانقلابيين أو عبر وساط الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي المختلفة واكتفوا بهذا الاحتفاء المكبوت.
حتى المنازل والجبال والقمم التي عادة ما كانت تتزين بأعلام الوطن وبالألعاب النارية في مناسبة كهذه،لم تفعل هذا العام ففعل كهذا في وجود مليشيا تبطش بكل ماله صله بالجمهورية أو له علاقة بالوطن،يعني مجازفة كبيرة عاقبتها لا تقل عن عاقبة من انحاز للوطن فبات بين التراب شهيداُ،أو خلف الحدود مطارداً،أو في السجون مختطفاً.
الفعاليات الجماهيرية والشبابية التي انطلقت باكورتها في إب عقب الانقلاب،توقفت اليوم هي الأخرى ولم يعد لها حضور بعد القمع التي واجهتها به المليشيات الانقلابية.
مدينة علي عبد المغني ،يحكمها عبد الواحد صلاح ..!
ومن المفارقات العجيبة التي يكتبها لنا التأريخ اليوم بعد 54 عام من ثورة 26 سبتمبر المجيدة، محافظة علي عبد المغني يحكمها معين من قبل ميلشيات الحوثي والإمامية "عبد الواحد صلاح، وهي مفارقة كبيرة ومجحفة توضح حجم الهوة بين التأريخ الحافل بالبطولة والشموخ والزهو،وبين الواقع المخزي المنبطح.
كم هو قاسٍ على الشهيد علي عبد المغني وهو في قبره مجرد السماع أن "صلاح" محافظاً لإب ،المحافظة التي رفع هو من شأنها بين المدن وأعلى من اسمها حين أشعل الثورة مع رفاقه على حكم الإمامة وأسقطها وللأبد،وكيف وصل الحال بها اليوم حين أصبح "صلاح" وكيلاً للانقلابيين فيها وسلمهم كل شيء ليساعدهم في إعادة إنتاج الإمامة من جديد.
حاضر إب بعيد كل البعد عن التأريخ ،وإن كان له علاقة بالتأريخ فعلاقته بتأريخ ما قبل 26سبتمبرحيث السجون تعج بالمختطفين والظلم يعم المحافظة والأوجاع تتوزع على أرصفة وشوارع المدينة ،والمشائخ يركعون تحت أقدام المليشيات ،و"صلاح" يبيع كل شيء بما في ذلك كرامته من أجل منصب زائل،وإشباع رغبة رئيس مخلوع.
قيود الأمام لم تنكسر..
منذ اجتياح مليشيات الحوثي وصالح للمحافظة في أكتوبر 2014م والمليشيات الانقلابية تواصل من عمليات الاختطاف بحق أبناء المحافظة،مسجلة أرقام قياسية في عمليات الاختطاف على مستوى الجمهورية ،فقد بلغت جرائم الاختطاف التي مارستها المليشيات بحق أبناء المحافظة وفق آخر إحصاء لوحدات الرصد المحلية بالمحافظة إلى أكثر من (1500) مختطف منهم أكثر من (150) لا يزالون خلف قضبان المليشيات بالمحافظة ومحافظات أخرى.
لم يسلم من جرائم الاختطاف والملاحقة أحد،ففئات المجتمع جميعها نالها نصيب من هذه الجرائم ،ولا تزال حتى اللحظة قيادات سياسية كبيرة من أبناء المحافظة قيد الاختطاف كما هو الحال بالنسبة للقيادي السياسي "محمد قحطان".
"الحبيشي" لم يعد حاضراً..
جاءت ذكرى ثورة 26سبتمبر هذا العام في لحظة غياب لآخر سبتمبري من وجهاء إب ورجالاتها الذين شاركوا في الثورة اليمنية المجيدة،بعد أن غيبه الموت عنّا في وقت سابق من العام الماضي.
الشيخ عبد العزيز الحبيشي واجهة ثورة سبتمبر في الحاضر غادرنا على غير موعد ،وأبقى إب كلها للتأريخ،فالمحافظة الثائرة باتت اليوم تحت قبضة أئمة جدد اجتاحوها على حين غفلة من رجالها كما قال الشيخ "الحبيشي" ذات يوم حين رد على تحية حوثي من شمال الشمال قدم إلى مجلسه المفتوح للجميع قائلاً"سلام يا رجال" فرد عليه الحبيشي :"لو كنا رجالاً ما كنت هنا".
عبارة اختزلت الكثير من المعاني،وجسدت الواقع المرير التي تعيشه المحافظة ،الواقع الذي جعل مليشيات الحوثي وصالح بعد وفاة الشيخ الحبيشي تتجرأ باقتحام منزله والعبث بمحتوياته وتختطف نجله .
لم يكن يعني "الحبيشي" انتفاء وجود رجال في إب ،فأبطال إب في كل جبهات اليمن يدافعون عن وطنهم ويجابهون المنقلبون على الدولة والجمهورية ،وإنما وجه رسالته تلك بلغة ساخرة إلى أولئك الذين اتحدوا مع الانقلابين وسلموا لهم محافظتهم.