حراك روسي في اليمن.. بحث عن موطئ قدم

شهدت الأزمة اليمنية خلال الأسبوعين الماضيين حراكاً دبلوماسياً روسياً لافتاً، ضمن مسارات الوساطة الدولية للدفع بأطراف النزاع في اليمن للوصول إلى تسوية سياسية للحرب، بالتزامن مع انسداد أفق التفاوض بشأن اتفاق جديد للهدنة الأممية.
 
وتمر الأزمة اليمنية بحالة من التجميد، إذ إنه على الرغم من دخول انتهاء الهدنة الأممية الشهر السادس على التوالي، إلا أن البلاد لم تشهد تصعيداً عسكرياً كبيراً، في الوقت الذي تستمر فيه مفاوضات الأبواب الخلفية في مسقط، فيما تحدثت جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) عن عوائق أمام الوساطة العمانية، واتهمت الولايات المتحدة بعرقلة تلك الجهود.
 
وشهدت موسكو مباحثات روسية سعودية بشأن اليمن. وجرى لقاء الثلاثاء الماضي بين نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين، مع السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر، الذي زار موسكو مع وفد سعودي مرتبط بالملف اليمني.
 
وقالت السفارة الروسية في اليمن، في بيان مقتضب، إنه "جرى تبادل شامل للآراء حول آفاق تعزيز التعاون الروسي السعودي بشأن قضية التسوية اليمنية". وأشارت إلى "إيلاء الاهتمام الخاص لقضايا الترابط بين الجهود الدولية والإقليمية من أجل دعم عملية السلام ومساعدة الأطراف اليمنية في الوصول إلى التفاهم من خلال الحوار".
 
دعم روسي للإجراءات السعودية
 
وفي لقاء منفصل للوفد مع الممثل الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف، عبّر الأخير عن "دعم الجانب الروسي للإجراءات التي تتخذها السعودية لتحقيق الاستقرار في اليمن، والبحث عن حلول مقبولة لجميع الأطراف".
 
وأشار إلى "الحاجة إلى اتخاذ مزيد من الخطوات من قبل السعودية بهدف إقامة حوار سياسي يمني واسع حول القضايا المتعلقة بتسوية شاملة". من جهته، قال آل جابر، في تغريدة، إنه "استعرض جهود المملكة السياسية والاقتصادية والإغاثية والأمنية، وجهود وقف إطلاق النار والوصول إلى حل سياسي شامل ومستدام".
 
وكان بوغدانوف التقى، في 25 فبراير/ شباط الماضي، في السفارة الروسية في مسقط، رئيس الوفد التفاوضي للحوثيين محمد عبد السلام. وقال وقتها إنه "تمت مناقشة الوضع العسكري والسياسي والإنساني في اليمن بالتفصيل".
 
وشدد الجانب الروسي على ضرورة تكثيف الجهود من أجل ضمان وقف إطلاق نار بشكل مستدام وطويل الأمد. وذكر، في بيان مقتضب نشر على موقع الخارجية الروسية، أن "ذلك سيؤدي إلى تهيئة بيئة مواتية لعملية تفاوض بناءة وشاملة تحت رعاية الأمم المتحدة، من أجل تسوية للأزمة في اليمن وتعزيز السلام والأمن في المنطقة ككل".
 
وفي 17 فبراير الماضي، قال المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ إنه اختتم زيارة إلى موسكو، التقى خلالها وزير الخارجية سيرغي لافروف وعدد من كبار المسؤولين، لمناقشة "الدور المهم للمجتمع الدولي ومجلس الأمن في دعم الأطراف اليمنية للتوصل إلى تسوية مستدامة عن طريق التفاوض".
وتسير هذه الجهود الدبلوماسية الروسية بالتزامن مع حالة التعثر في المحادثات الثنائية بين الحوثيين والسعودية بوساطة عمانية، في الوقت الذي يبحث فيه المبعوث الأممي عن حشد الدعم الدولي لجهود الوساطة الأممية للوصول إلى تسوية سياسية للحرب في اليمن، التي تدخل عامها التاسع على التوالي.
 
انسداد أفق التسوية

 
ورأى أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء ناصر الطويل أن "الحراك الروسي يأتي في ظل انسداد أفق التسوية السياسية في اليمن، وتعثر جهود تمديد الهدنة، وعدم وصول المباحثات السعودية الحوثية إلى نتيجة".
 
وأضاف، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "كل هذا يستدعي حراكاً دولياً وأممياً، وروسيا من الأقطاب الدولية ذات التأثير، مع أن اليمن يقع في المجال الأمني الحيوي الأميركي على المستوى الدولي، لكن حالة الانسداد تفتح الأبواب لتدخّل أطراف دولية، وفي مقدمتها روسيا".
 
وأوضح الطويل أن "روسيا لها علاقة متينة بإيران، حليفة الحوثيين، وفي هذا الإطار هناك مساحة أمام روسيا للدفع بتسوية سياسية في اليمن، بالإضافة إلى رغبة موسكو أن يكون لها حضور على المستوى الدولي، وتريد أن تتدخل في كثير من الملفات ضمن غايتها في نظام دولي متعدد الأقطاب".
 
وأشار إلى "أن روسيا تريد أن تعكس قوتها العسكرية على شكل نفوذ سياسي وعلاقات واسعة، وفي هذا السياق تأتي محاولة تأثيرها في مسارات الأوضاع في اليمن. لكن بشكل عام الدور الروسي محدود، نتيجة الحضور الأميركي الكثيف في المنطقة واليمن".
 
مقاربة موسكو للملف اليمني
 
وتحتفظ روسيا بعلاقات مع جميع أطراف الحرب في اليمن. ففي الوقت الذي تتعامل فيه مع الحكومة اليمنية بشكل رسمي، تحتفظ بعلاقة مع الحوثيين. وزار وفد من الحوثيين روسيا في أغسطس/ آب الماضي، عقب التمديد الثاني للهدنة الأممية. وسبقها زيارة في منتصف فبراير 2022، وقال الحوثيون حينها إنهم سلموا روسيا رؤيتهم لمعالجة الملف الإنساني اليمني.
 
وتسير روسيا ضمن الرأي الجماعي في الأمم المتحدة بشأن اليمن، ولم يسبق أن استخدمت حق النقض (الفيتو) ضد قرارات مجلس الأمن الدولي بشأن اليمن، حتى وإن كانت تلك القرارات غربية، لكنها في الوقت نفسه تنخرط بدور في مقاربة وجهات النظر بين إيران والسعودية.
 
ورأى الباحث اليمني بالعلاقات الدولية في جامعة بطرسبورغ الروسية يوسف مرعي أن "الحراك الدبلوماسي حول الملف اليمني في موسكو يعتمد على كثير من العوامل، أهمها حالة السياق الإقليمي الراهن في الدول المنخرطة بشكل رئيسي في الصراع اليمني (إيران والسعودية)".
 
وأضاف مرعي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "موسكو تحتفظ بعلاقات متوازنة مع كل الأطراف السياسية اليمنية، وأيضاً مع الأطراف الإقليمية المهيمنة في المنطقة، وتحاول تعزيز شراكتها الاقتصادية في ظل العقوبات الغربية من خلال القيام بدور سياسي فعّال".
 
وأشار إلى أنه "قبل انقلاب الحوثيين على الدولة اليمنية، كانت هناك عشرات العقود الموقّعة بين اليمن وروسيا، التي حصلت على امتياز التنقيب على النفط والغاز في شبوة والغيضة"، لافتاً إلى "أن الصراع أفقد موسكو تلك الامتيازات الاقتصادية، وهي تسعى للعودة كشريك لليمن، من بوابة حكومة يمنية منبثقة عن حوار يمني-يمني".
 
ولفت مرعي إلى "أن هناك مبادرة روسية قديمة للأمن الجماعي، وأطلقت نسختها المحدثة عام 2019. وربما تعتبر موسكو أن حل المشكلة اليمنية سيسهم وسيقود إلى إنجاح هذه المبادرة، والبحث عن مقاربات أمنية وحلول مقبولة من كل الأطراف داخل هذه المنطقة".

العربي الجديد

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر