جاء اختيار رئيس المجلس السيادي السوداني الحاكم ورئيس الحكومة عبدالله السعودية لتكون محطة لأول زيارة خارجية مشتركة لهما والتي بدأت اليوم الأحد لتعكس ليس فقط ثقل السعودية الاقتصادي والسياسي في المنطقة، ولكنها أيضاً مؤشر على الأزمة الكبيرة التي يواجهها السودان، والملفات المتشابكة التي أصبح يرتبط فيها مع السعودية داخلياً وخارجياً.
إذ تمثل العلاقة السودانية السعودية واحدة من أكثر القضايا في السودان تشابكاً بعد اتفاق العسكريين مع قوى الحراك وتشكيل السلطة الانتقالية.
فقد نظر الحراك السوداني بشكل فيه ريبة شديدة للتحالف العربي الثلاثي الذي يضم مصر والإمارات والسعودية، ودوره في دعم العسكريين خلال المواجهات التي حدثت قبل الوصول لإتفاق بين الطرفين.
ويعتقد أن السعودية والإمارات ترتبطان بعلاقة قوية مع العسكريين السودانيين ترسخت جراء حرب اليمن، وأنهما تدعمان بعض العسكريين وخاصة الفريق أول محمد حمدان دقلو الشهير بـ»حميدتي«.
وبدأ رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك، الأحد، جولة خليجية تشمل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، في أول زيارة مشتركة لهما منذ تكوين هياكل السلطة الانتقالية في السودان في آب/أغسطس الماضي.
السودان الجديد أمام اختبار المبادئ مقابل المصالح
والمشكلة أن المبادئ والشعارات التي رفعتها الثورة السودانية تفترض الانسحاب من اليمن والاحتفاظ بمسافة من السعودية والإمارات ومصر التي لا تخفي عداءها لأي ديمقراطية في المنطقة العربية.
ولكن الواقع الاقتصادي والسياسي المتردي للسودان بعد سنوات من حكم الجنرال عمر البشير، يجعل السودان في أمس الحاجة لدعم السعودية والإمارات سياسياً واقتصادياً، وهو الدعم الذي يفترض أنه يعني مزيداً من التدخل في شؤون السودان، وأيضاً الطلب من الخرطوم إبقاء قواتها في اليمن وهو الوجود الذي كان يثير غضباً شعبياً في السودان على البشير من قبل.
ومما يزيد المأزق السوداني أن المجتمع الدولي لم يتعامل بالترحاب الذي كان يتوقعه الثوار بعد نجاح تشكيل السلطة الانتقالية.
ومن هنا تأتي أهمية زيارة رأس السلطة في السودان للسعودية ومن بعدها باقي دول الخليج.
إذ تأتي عقب بدايات متعثرة في التواصل مع المؤسسات الاقتصادية الدولية ومنها صندوق النقد الدولي وبعض المؤسسات المالية الغربية، التي يبدو أن استمرار وضع السودان على قائمة الدول الراعية للإرهاب يحول دون تقديمها لمعونات اقتصادية.
ومن الواضح أن الصعوبات الاقتصادية ستكون الأهم في أجندة الجولة السودانية في السعودية والإمارات بغرض حث الدولتين على تقديم الدعم الاقتصادي العاجل.
الزيارة جاءت بعد وقف الدعم المالي السعودي الإماراتي
وفقاً لمصادر دبلوماسية تحدثت لموقع الجزيرة مباشر، فإن كلاً من الرياض وأبوظبي قد أبلغتا الخرطوم رسمياً بوقف تقديم دعم مالي أو سلعي في الوقت الراهن، بعد أن منحت الدولتان للخرطوم ثلاثة مليارات دولار وفق ما صرح به وزير المالية السوداني أحمد البدوي أواخر سبتمبر/أيلول الماضي.
لذلك فمن المتوقع أن يسعى الوفد السوداني، الذي يضم وزراء المالية والخارجية والتجارة والصناعة إلى جانب مسؤولين عسكريين وأمنيين، لحث الدولتين على تقديم المزيد من الدعم.
وتعزز تشكيلة الوفد السوداني فرضية أن اللقاءات ستركز على جانبي الدعم الاقتصادي وملف القوات السودانية باليمن في لقاء خاص مع الفريق أول البرهان الذي كان يشغل منصب المنسق لتلك القوات قبل تقلده منصب المفتش العام للجيش ثم رئاسة المجلس العسكري الانتقالي عقب الإطاحة بالرئيس المعزول عمر البشير.
حرب اليمن.. السودان سحب جزءاً من قواته
تمثل حرب اليمن ووجود القوات السودانية هناك واحد من أهم الملفات خلال الزيارة خاصة عقب أحداث تداعيات الشهرين الماضيين وبروز خلاف في التوجهات بين الإمارات والسعودية داخل اليمن.
وفقاً لمصادر عسكرية خاصة لموقع الجزيرة مباشر فإن السودان قام بسحب ثلاثة ألوية عسكرية من اليمن من مجموع ستة ألوية، وشملت الإجراءات سحب كل القوات السودانية من المواقع المطلة على تحرك القوات المدعومة إماراتياً باليمن في محور عدن، فيما لوحظ تراجع الاهتمام السعودي بأوضاع قوات الدعم السريع.
وضع الجنود السودانيين في اليمن أصبح صعباً
بحسب المصادر العسكرية، فإن ضابطاً رفيعاً برتبة لواء قام بزيارة القوات السودانية في بعض المواقع حيث تلقى احتجاجات عنيفة من الضباط والقادة الميدانيين منددين بالتجاهل السعودي المتصاعد للقوات السودانية والذي يستبطن فيما يبدو خلافات بسبب التحولات الإماراتية في اليمن.
تبدو تكملة لهذا الملف أن هناك بوادر خلافات بين المدنيين والعسكريين في الحكومة الانتقالية السودانية بشأن استمرار مشاركة السودان؛ خاصة بعد انتقاد وزير المالية السوداني بشكل مخفف لتلك المشاركة إذ اعتبرها من أسباب عدم رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب، وهي تصريحات احتج عليها المكون العسكري بمجلس السيادة.
التواصل مع أمريكا
بدت كذلك حالة الفتور وتراجع الحماس الأمريكي لدعم الحكومة الانتقالية بالسودان ضمن الأجندة المهمة على طاولة الزيارة، خاصة بعد الإشارات السلبية من واشنطن حول عملية رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب.
فبعد مشاركة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك في أعمال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة 74 – فشل الجانب السوداني في إجراء أي لقاءات مع مسؤولين بالإدارة الأمريكية، بمن في ذلك مساعد وزير الخارجية للشؤون الإفريقية تيبور ناغ، الذي التقى كلاً من ممثلي حكومات الدول المجاورة للسودان عدا حمدوك.
وأشار تيبور أمس الأول للصحفيين إلى أن رفع السودان يخضع لعملية قانونية وإجرائية طويلة ومعقدة، لذا فإن الخرطوم فيما يبدو تبحث عن بوابات خلفية بواسطة الرياض وأبو ظبي كمدخل للإدارة الأمريكية.
وتسعى الحكومة السودانية إلى إطلاق حوار جديد مع الولايات المتحدة واقتراح توقيتات لرفع اسم السودان عن قائمة الإرهاب؛ لكن يبدو أن واشنطن ليست متحمسة لذلك في الوقت الراهن لتقديرات تتعلق بموقفها من النظام الجديد دون أن تفصل ذلك بشكل واضح.
وقالت تغريدة لوزارة الخارجية السعودية اليوم الأحد إن السعودية تعمل على حذف السودان من قائمة الولايات المتحدة للدول الراعية للارهاب.
وجاءت هذه التغريدة عقب اجتماع عُقد في الرياض بين الملك سلمان ورئيس المجلس السيادي الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك.
وقالت الوزارة إن المملكة العربية السعودية تعمل أيضًا على إطلاق استثمارات في السودان وتحسين المشروعات القائمة ، مضيفة أن السودان يسعى للحصول على دعم المملكة في المنتديات الدولية ويريد توفير بيئة للاستثمار وتوسيع قطاعه الزراعي.
اليمن مقابل الدعم
ورغم أن بقاء القوات السودانية في اليمن من شأنه إرضاء السعودية وقد يدفعها لحث حليفها الأمريكي لرفع السودان من قائمة الإرهاب، إلا أن من شأنه تشويه صورة السودان الجديد عبر مشاركة قواته في حرب أصبحت تجتذب نقداً متزايداً في الأوساط الدولية يوماً بعد يوم، كما أنها تمثل هي بذاتها سبباً رئيسياً في تشوية صورة السعودية ذاتها إضافة إلى ممارسات أخرى مثل اغتيال خاشقجي.
المشكلة أنه في حال توقف حرب اليمن، فإن السعودية لن تعد بحاجة إلى السودان، خاصة أن الملف المهم الآخر بالنسبة للسعودية وهو إقصاء الإسلاميين تكفل به النظام الحالي المشترك الذي يتقاسمه فعلياً العسكريين مع اليساريين.
التوازن في السياسة الخارجية هو مطلب السودان
وكان عبدالله حمدوك، قد أجاب، عن تساؤل حول موالاة السلطة السودانية الجديدة لأي معسكر سواء ذلك المعسكر الذي يتمثل في «السعودية ومصر والإمارات»، أم معسكر «قطر وتركيا»، قائلاً إن «موالاة السودان فقط لمن يخدم مصالحه».
وقال حمدوك: «نحن أعلنّا منذ اليوم الأول، وهذه واحدة من أولوياتنا العشرة للفترة الانتقالية، أننا سنسعى جاهدين لبناء سياسة خارجية متوازنة تبتعد عن المحاور».
وتابع «تخلق رؤى تهتدي أولاً وثانياً وثالثاً وأخيراً بصالح السودان فقط».
ومضى «نحن نطمح إلى علاقات تقوم على الاحترام المتبادل وحسن الجوار، وعلى المشاركة مع كل القوى المحبة للسلام والتقدم لصالح شعبنا، ونعود إلى السياسة السودانية وإلى عصرها الذي كان قائماً على هذا التوجه».
وقال حمدوك إن بلاده تأمل في أن تعود السودان إلى «العصر الذهبي» في توازن العلاقات الخارجية.
وأوضح قائلاً «أنت تعلم أن السودان عندما استقل عام 1965، كان يمكنه الدخول إلى عدد كبير من المحاور، وعلى رأسها الكومنولث البريطاني، نحن اخترنا أن لا ندخل، مع أننا مؤهلون لذلك، إذ كنّا تحت الاستعمار البريطاني، نحن نود أن نعود بالسودان إلى ذلك العصر الذهبي، بسياسة متوازنة تحفظ هذا التوازن. هذه هي بوصلتنا التي ستقود السياسة الخارجية».
وبينما يمكن أن يمثل كلام حمدوك تعبيراً صادقاً عن توجهات الثورة السودانية، ولكن الواقع الاقتصادي والتجاهل الدولي والعلاقات الخفية للقادة العسكريين تصعب المهمة أمامه لتحقيق هذا الهدف.
كما أن السياسة السعودية والإماراتية في الآونة الأخيرة، اعتمدت في المنطقة مبدأ الرئيس الأمريكي الشهير «من ليس معنا فهو ضدنا»، لذلك لايتوقع استمرار دعم الدولتين للسودان دون مقابل، ومقابل باهظ في الأغلب.
المصدر: عربي بوست