اليمن.. طريق التسوية السياسية ما زال طويلاً

[ نساء حوثيات في صنعاء ]

 ونحن في العام الرابع من الحرب في اليمن، ما زال السؤال عن العملية السياسية هو السؤال الصعب، في ظل مراوحة المشهد العسكري صعوداً وهبوطاً ضمن نتائج ما تزال مُربِكة للحل السياسي، ويكرس ذلك غياب مصداقية أطراف الصراع، وانسحاب ذلك بوضوح في افتقادها لمشروع دولة جديدة. ويؤكد ذلك عدم جديتها في تجاوز مربع الصراع والتنازل من أجل السلام مقابل ما تبديه من تسامح تجاه المصالح الإقليمية وتعنت أمام مطالب اليمنيين الذين بات 70 في المئة منهم بحاجة للمساعدات الإنسانية.

تؤكد مستجدات العمليات العسكرية الأخيرة بما فيها مقتل القيادي الحوثي صالح الصمّاد، وتحركات قوات طارق صالح المدعومة إماراتياً، أن طريق العملية السياسية ما زال طويلاً، في ظل ما تُفضي إليه المؤشرات الميدانية من ترشيح لمزيد من التصعيد في جبهات عديدة بما فيها الجبهات على الحدود الشمالية لليمن مع السعودية، فيما الأخيرة على ما يبدو مُصرّة على المضي في طريق الحرب باعتباره الحل لاستعادة يمن ما قبل 21 ايلول/سبتمبر 2014 وإن كانت أي السعودية، صارت تدرك أن يمن ما بعد الحرب لن يكون كما قبلها بعدما أكلت الحرب هناك ما كان أخضراً وأعطبت ما هو في برعمه.

يراهن الحوثيون بلا شك على الحرب. فكلما طال أمدها زاد توسعهم سياسياً وتجذرهم ثقافياً في مناطق سيطرتهم، ويعزز من ذلك أصرار مقاتلات التحالف على ارتكاب المزيد من المجازر البشعة بحق المدنيين اليمنيين في مختلف مناطق سيطرة الحوثيين، وهو ما يزيد من غضب القبائل وتحول مشاعر الغضب إلى انتقام يتعزز معه التحالف القبلي الداخلي لصالح الحوثيين ضد التحالف.

من الصعب، في المقابل، أن نستبعد حرص الحكومة الشرعية على البقاء في الخارج واستتباب وضعها على ما هو عليه، ما يجعل منها ـ وفق مراقبين ـ معوقاً آخر للسلام، وهو الموقف الذي يقف خلفه الموقف السعودي المصرّ على الحرب حتى الفوز بما يحفظ لها ماء وجهها في الداخل، ويعزز موقف الشرعية المتصلب من التسوية لاسيما في ظل شعورهم المتزايد أن المفاوضات لن تكون في صالح وضعها المستقبلي، في ظل ما يحضون به من حضورٍ شعبي محدود مقابل استئثار القوى على الأرض بالوجود والحضور سواء في الشمال أو الجنوب.

الوعي المناطقي

على صعيد الجنوب فالوضع قد يذهب لمزيد من التعقيد في العلاقة بين مكونات الحراك الجنوبي في ظل تجذّر وعي مناطقي في ثقافة كل محافظة هناك، وهو ما أسهمت فيه قوات النُخب والأحزمة الأمنية التي تشكلت بدعم إماراتي في مواجهة ما تبقى من قوات الحكومة الشرعية التي أصبحت أضعف مما كانت عليه قبل مواجهات كانون الثاني/يناير الماضي في عدن.

إلى ذلك أسهمت الإمارات في دعمها لقوات طارق صالح، التي تشكّلت مؤخراً في زيادة حالة الحنق في صفوف بعض فصائل ومكونات الحراك الجنوبي حتى وإن لم تُعلنه، إلا أن الواقع على الأرض يؤشر لذلك بوضوح.

بين الشمال والجنوب لا يمكن إغفال ما تذهب إليه محافظة حضرموت في الجنوب الشرقي ومحافظة مأرب في الشمال الشرقي من تضخم مالي وتكدس أموال النفط في هاتين المحافظتين في ظل محدودية سلطة الحكومة المركزية عليهما مع تنامي نزعة استقلالية تظهر بوضوح في حضرموت.

على مستوى اليمن ككل لا يبدو أن ما قبل أحداث كانون الأول/ديسمبر الماضي كما بعده. يقول الكاتب والمحلل السياسي عبدالرحمن مراد لـ»القدس العربي» إنه «منذ كانون الأول/ديسمبر الماضي ثمة تسارع مذهل في المشهد السياسي اليمني. فالمعادلة الوطنية أخذت بعداً وطنياً جديداً بعد ذلك التاريخ، ويبدو المشهد أكثر غموضاً من ذي قبل، فالتحول الذي سببته الأحداث المتسارعة بدءاً من كانون الأول/ديسمبر الماضي وانتهاءً بمقتل الصمّاد، أفقد الواقع مقومات الشرعية، وكل الذي نراه أن الواقع بدأ يحدد مساراً جديداً يبدو مختلفاً عن سالفه».

ويعتقد مراد أن الواقع سوف «يشهد تحولاً جذرياً في المسار العسكري والسياسي لن يصب في مصلحة سلطة الأمر الواقع في صنعاء ولن يكون في مصلحة بعض الأطراف التي تساند التحالف منذ بدايته، بل سيكون لصالح طرف جديد وبصورة أجد مما كان الحال عليه قبل تسارع الأحداث التي تركت أثراً سلبياً على بعض الأطراف». 

الحديث عن السلام في اليمن مرتبط بالحديث عن تحركات المبعوث الأممي الجديد، البريطاني مارتن غرافيث، الذي أستهل عمله في آذار/مارس من خلال جولة التقى فيها أطراف الأزمة، فزار الرياض وصنعاء وأبو ظبي ومسقط، واستمع لمختلف الأطراف، وقدم عقب ذلك أولى إحاطاته عن الأزمة لمجلس الأمن الدولي. كما بدأ مؤخراً جولة ثانية من اللقاءات تأتي «في إطار بعث روح جديدة في الاتصال بهدف استئناف المفاوضات» قُبيل أن يعلن، وفق مراقبين، «خطته لإعادة إحياء المفاوضات الهادفة لإنهاء الأزمة». وما يبعث على التفاؤل في إمكانية نجاح جهوده هو ما يظهره من الحذر والاتزان في علاقته بالأطراف وفي تعامله مع عناوين ملف الأزمة، وظهر ذلك جلياً في إحاطته الأولى لمجلس الأمن.

رئيس التحرير السابق لصحيفة «14 أكتوبر» في عدن المحلل السياسي عبدالفتاح الحكيمي، يعتقد أن حادث اغتيال صالح الصمّاد أحدث ارباكاً لجهود التسوية السياسية، ويرى «أن الحوثيين وجدوا الآن ذريعة قوية باتهام أطراف دولية كبيرة بالتورط في تصفية رئيس المجلس السياسي صالح الصمّاد وهو ما سوف يُؤخذ بعدم حيادية دول كبرى مثل أمريكا وبريطانيا». وقال لـ»القدس العربي»: قناعتي الشخصية أن الحوثيين كالعادة يهربون إلى الأمام، ولا يرغبون في تسوية سياسية عادلة لإحساسهم باستمرار قدرتهم على السيطرة على الأرض، ولا ينظرون إلى أنفسهم كطرف مساو للآخرين، بل يظنون بامتلاك التحكم بلعبة الحرب ومستقبل السلطة في اليمن».

وأضاف إن «مهمة المبعوث الأممي الجديد سوف تصبح أكثر تعقيداً لسبب بسيط، هو أن الحوثيين هم الطرف الأكثر تعنتاً في كل المفاوضات». ولم يستثن الحكومة الشرعية من افتعال العراقيل في طريق التسوية أيضاً، وقال إن «الشرعية هي الأخرى تفتعل العراقيل في دواليب المفاوضات ربما لعدم ثقتها بوجودها الشعبي والمستقبلي». وخلص إلى «إن ثمة معادلة قائمة متمثلة في رهان الشرعية على مواصلة البقاء في الخارج ورهان الحوثيين على مواصلة خيار الحرب. ويبقى الأمل في أن يحل السلام على هذه الأرض».

فيما يُبدي الكاتب أحمد ناجي النبهاني تفاؤلاً بنجاح مهمة المبعوث الأممي الجديد إلى اليمن، موضحاً لـ»القدس العربي» أن «المبعوث الجديد يستند لموقف دولي وأوروبي واضح وقوي مؤيد للسلام، ويؤمن بأن الخيار العسكري فشل تماماً، وهو ما أصبحت معه التسوية السياسية الخيار الوحيد لإنقاذ البلاد، وبناء عليه جاء اختيار مبعوث جديد يدرك ذلك جيداً».

فيما يعتقد آخرون أن أطراف النزاع مطالبون أولاً بتجاوز مصالح الصراع الإقليمي وإيثار مصالح اليمنيين من خلال النزول للسلام طريقاً لبناء دولة حقيقية في هذا البلد الفقير، وبدون ذلك ستبقى مهمة الحرب طويلة وسيبقى طريق التسوية معقداً.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر