أن تكون مبدعا موهوبا فهذه سمة بالغة الروعة، لكن الأروع منها أن تسخر موهبتك للعمل الإنساني المثمر في مجتمع يحتاج إلى عطائك.
السباح اليمني الموهوب السيفي ناصر المرادي، شاب من مدينة مأرب شرقي اليمن، اشتهر بموهبته الفذة والنادرة في السباحة والغطس لأعماق كبيرة في بحيرة سد مأرب التاريخي، سخّر موهبته لإنقاذ الغرقى في البحيرة التي يرتادها العشرات يوميا لقضاء أوقات نزهة وممارسة السباحة في أطرافها.
وسد مأرب قديم يعود تاريخه لبدايات الألفية الأولى قبل الميلاد، ويعتبر أحد أقدم السدود في العالم، وتبلغ مساحة بحيرته 30 كيلومترا مربعا، ويتسع لـ 400 مليون متر مكعب من المياه.
المرادي كما يروي للأناضول، تعلم السباحة وهو في الحادية عشرة من عمره في مجرى ماء السد لكونه يمر بجانب مزرعة عائلته، وكان يشجعه أقرباؤه على ذلك تيمنا بقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم "علموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل"، حتى صقلت موهبته وبات يتميز عن قرنائه بموهبة الغطس والسباحة بكافة أنواعها.
وفي عام 2012 حمل الشاب الذي يبعد منزله عن السد نحو 4 كم، على عاتقه مهمة إنقاذ من يمكن إنقاذه من الغرقى الذين يسبحون في البحيرة والأحواض التابعة لمجرى السد، أو انتشال جثثهم من العمق.
وعن هذه المهمة الإنسانية الشاقة يقول الشاب اليمني (32 عاما): "كانت البداية عند علمي بغرق شاب في بحيرة السد، فاندفعت لانتشال جثته دون أدوات غطس، وقررت بعد هذه الحادثة أن أبادر بإخراج أي غريق تطوعا لوجه الله دون مقابل".
ولهذا قام المرادي بنشر أرقام هواتفه على الأشخاص القاطنين قرب بحيرة السد، وعلى الحراسات الأمنية فيه لطلبه لنجدة أي غريق.
وعن عدد الأشخاص الذين تمكن من إنقاذهم يقول: "نجحت في إنقاذ 6 شبان وفتاتين من الموت المحقق، والبعض منهم كاد أن يتسبب في موتي نظرا لتشبثه بي، فيما انتشلت عشرات الجثث لغرقى قضوا نحبهم في بحيرة السد".
هذه الروح التي يتحلى بها الشاب اليمني، وتلبيته فورا لأي نداء استغاثة، جعلت منه بطلا وحديث الناس في مأرب والمناطق المجاورة، ما دفعه للبحث عن أدوات غطس مائي لا تتوافر في مأرب، فلجأ إلى شراء أسطوانة أكسجين خاصة برجال الإطفاء، لتساعده في مهامه الإنسانية، إلا أنها، كما يروي، لا تفي بالغرض.
وعن كيفية استطاعته الغوص في أعماق البحيرة دون أدوات غطس قال "أحاول عدم إجهاد نفسي ما يسمح لي بالبقاء تحت الماء فترة أطول، وأستطيع بالأدوات التي استخدمها، الخاصة بإطفاء الحريق، الغوص إلى قعر بحيرة سد مأرب، التي يصل عمقها إلى أكثر من ثلاثين مترا، بحسب ارتفاع مستوى المياه".
ولهذا يأمل من السلطة المحلية في مأرب التي قال إنها لم تلبِ طلبه، ومن وزارة الشباب والرياضة، توفير أدوات غطس متكاملة ليواصل مهامه الإنسانية التي تغطي عجز السلطات الرسمية.
المرادي يرفض قطعا أخذ أي مقابل مادي نظير مواقفه النبيلة، ويعلل ذلك بقوله: "أرفض ذلك لعدة أسباب منها البحث عن الثواب من الله، وأخذ مقابل لعمل إنساني يعد استغلالا للناس في ظروف إنسانية حرجة وأخذ أي مقابل نظير هذا العمل يعد غير مشروع، خصوصا وأن أسرة الغريق لحظتها تكون مستعدة لدفع أي مبلغ مقابل انتشال الجثة".
وتابع "البعض منهم عرض عليّ أخذ سيارته مقابل إخراج جثة ابنه لكنني رفضت، لأننا تعودنا على المروءة والفزعة (النجدة) دون مقابل".
يختتم السباح السيفي المرادي حديثه بأمنيته أن يتدرب على يد مدرب عالمي في الغطس والسباحة وتمثيل اليمن في البطولات الدولية.