قالت مديرة مكتب البنك الدولي في اليمن، ساندرا بليمينكامب، إن البنك يشعر بقلق عميق إزاء المستويات المروعة لانعدام الأمن الغذائي في اليمن.
مشيرة في حوار مع" العربي الجديد" إلى البدء في إعداد خطة لإعادة الإعمار، يتم الشروع في تطبيقها بمجرد انتهاء الحرب.
نص الحوار:
ــ عامان على اندلاع الحرب في اليمن وكل المؤشرات تتجه نحو مزيد من التردي الاقتصادي والمعيشي لليمنيين، فماذا يمكن أن يقدم البنك الدولي في ظل هذه المرحلة؟
للأسف، لا أحد يعرف متى ستنتهي الحرب، لكننا نأمل أن يحل السلام اليوم أو في أسرع وقت ممكن، ونقوم حاليا بإعداد دراسات تحليلية دقيقة لعدة مجالات تتعلق بالفقر والمياه والطاقة والتمويل والتجارة، حتى يمكن الاستفادة منها في مرحلة إعادة الإعمار.
وبمجرد انتهاء الحرب يمكن استخدام جميع أدوات البنك الدولي مرة أخرى لمساعدة الشعب اليمني على النهوض والتعافي، وسيكون دور البنك حينها هو المساعدة على جعل السلام دائما، من خلال توفير الموارد المالية والمشورة والدعم الفني للحكومة لتتمكن من معالجة أسباب الصراع، وخلق فرص عمل لليمنيين، والمساهمة في نهاية المطاف في تمهيد طريق اليمن نحو تحقيق الاستقرار الذي ينشده الجميع.
ــ لكن الواقع الحالي يشير إلى ملايين اليمنيين الذين يعانون الفقر والجوع؟
نعم، لذلك وافقت المؤسسة الدولية للتنمية، وهي ذراع البنك الدولي لمساعدة أشد البلدان فقراً في العالم، مؤخراً، على مشروعين بمبلغ 450 مليون دولار للمساعدة في معالجة الأزمة في اليمن، مما يصل بمجموع محفظة دعمنا الحالي والمشاريع الجاري تنفيذها إلى 500 مليون دولار.
وتهدف هذه العمليات، بشكل كبير، إلى توسيع نطاق جهودنا، للحفاظ على توفير سبل الحصول على الخدمات الأساسية، وتوفير فرص لتحقيق الدخل لأولئك الذين هم في أَمسّ الحاجة إليها.
وتستهدف هذه المشاريع حوالي 7 ملايين يمني من الفئة المعرضة للخطر، وذلك بتقديم الخدمات الأساسية لهم في مجالي الصحة والتغذية.
كما ستخلق هذه المشاريع الآلاف من فرص العمل المؤقتة، التي ستساعد حوالي مليوني يمني، بمن فيهم النازحون داخل البلاد، عبر توفير سبل للدخل.
وتستند العمليات الجديدة التي تمولها المؤسسة الدولية للتنمية على عقدين من خبرة البنك الدولي في مجال التنمية في اليمن وشراكات قوية وناضجة مع المؤسسات المحلية لتقديم الخدمات.
ويهدف البنك الدولي إلى بناء قدرة اليمنيين الأكثر ضعفاً على مواجهة الصعوبات الناتجة عن الأزمة في جميع أنحاء البلاد، ولا سيما النساء، والأطفال، والشباب، والنازحين داخل البلاد، وكذلك بناء قدرة المؤسسات الوطنية التي يعتمد عليها الملايين من اليمنيين في الحصول على الخدمات الأساسية.
ــ لكن كيف سيتم تنفيذ هذه المشاريع، لاسيما أن البنك الدولي جمد نشاطاته في اليمن منذ نحو عامين عقب اندلاع الحرب؟
سيتم تنفيذ هذه المشاريع من خلال المنظمات التابعة للأمم المتحدة كطرف متعاقد يعمل بدوره مع المؤسسات اليمنية، والتي تتمثل في الصندوق الاجتماعي للتنمية، وبرنامج الأشغال العامة، والمؤسسات المحلية لتقديم الخدمات الصحية.
فالقدرة المؤسسية المحلية تلعب دوراً مهماً ومحورياً في تكملة عمل الوكالات الإنسانية. والحفاظ على المؤسسات المحلية يساعد المواطنين على التكيف والتعامل مع آثار الصراع.
كما أنه يساعد في الحفاظ على المؤسسات المهمة التي يعول عليها عند إعادة الإعمار والتعافي بمجرد تحقيق السلام. وباختصار، فإننا نحاول في الوقت الراهن أن نواصل العمل للمساعدة في تقديم الخدمات المهمة وتسريع خيارات التعافي لفترة ما بعد انتهاء الصراع.
وتعليق عمليات البنك الدولي المباشرة في اليمن، جاء نتيجة للتدهور الطويل للوضع الأمني، ولم يكن بمقدور البنك حينذاك القيام بالمتابعة والإشراف الفعال على المشاريع، مما دفعنا إلى تعليق أنشطتنا.
لكن أبقينا محفظة أنشطتنا سارية رغم تعليقها لمدة عامين تقريباً، على أمل أن يتحقق السلام فنتمكن من مواصلة تنفيذ هذه المشاريع.
وبلغت المحفظة الإجمالية في اليمن نحو مليار دولار، تم صرف 550 مليون دولار قبل وقت التعليق، وفي ظل الاحتياجات المتغيرة والملحّة، قرر مجلس المديرين التنفيذيين بالبنك الدولي أن يقدم 500 مليون دولار أخرى للمساعدة الطارئة لليمنيين المحتاجين، والتي تشكل في الواقع أكثر مما كان متاحاً لليمن قبل قرار التعليق. لقد تعاملنا مع الظروف المتغيرة عن طريق إعادة توجيه مواردنا إلى حيث تشتد الحاجة إليها.
ــ ما هي جهودكم إزاء وقف التدهور في الأمن الغذائي داخل اليمن مع بوادر مجاعة ظهرت في بعض المناطق؟
نقوم بالإعداد لعملية ثالثة، وهي منحة بقيمة 36 مليون دولار من البرنامج العالمي للزراعة والأمن الغذائي، تهدف إلى استعادة نظم الإنتاج الزراعي لتحسين الأمن الغذائي والتغذية وسبل كسب الرزق.
وستمول المنحة، المشاريع الفرعية ذات الأولوية على مستوى المجتمعات المحلية لزيادة الإنتاجية الزراعية لصغار المزارعين.
فمجموعة البنك الدولي لا تزال تشعر بقلق عميق إزاء المستويات المروعة لانعدام الأمن الغذائي في اليمن، خاصة أن الأمر يزداد سوءاً، بسبب تصاعد النزاع.
ولقد أدى الصراع إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية إلى جانب انخفاض قيمة الريال اليمني، وهو ما أثر بشدة على اليمنيين الذين استنفدت قدراتهم بالفعل.
ومن منظور التنمية، فإننا ندرك جيداً الآثار الضارة والطويلة الأجل التي تخلّفها المجاعة على صحة الناس، والقدرة على التعلم، وكسب لقمة العيش، حيث أكد رئيس البنك الدولي، جيم يونغ كيم، أن المجاعة تمثل وصمة عار على جبين الضمير العالمي.
لذلك فإننا نقف متضامنين مع الشعب اليمني، ونبحث عن طرق سريعة لزيادة مساندتنا أكثر مما هو عليه الوضع الآن، ونعتزم، بالتعاون مع شركاء آخرين، الإسهام في استجابة فورية، بما في ذلك التحويلات النقدية.
وسنواصل العمل مع الأمم المتحدة وسائر الشركاء لتعبئة الموارد اللازمة من أجل استجابة دولية كبيرة للمساهمة في تسهيل وتحسين توفير الأغذية والمواد الأساسية الأخرى للعائلات اليمنية الأشد احتياجاً إليها.
ــ تحدثتم عن إعداد دراسات لمرحلة إعادة الإعمار فور انتهاء الحرب، فهل توجد لديكم تقديرات لكلفة هذه المرحلة، وهل من الممكن البدء في إعادة الإعمار في المحافظات المحررة التي تخضع لسيطرة الحكومة الشرعية؟
ليس هناك رقم محدد لتكاليف إعادة الإعمار في اليمن في ظل استمرار النزاع، ولكن التقديرات الجارية ستجعلنا في وضع أفضل عند انتهاء الصراع.
ويوجد لدى البنك الدولي تقديرات مستمرة للأضرار والاحتياجات، بهدف تحديد حجم احتياجات إعادة الإعمار، ونفكر في ما يجب على الحكومة المستقبلية القيام به لاستعادة الاقتصاد وسبل كسب الرزق للعديد من اليمنيين المتضررين من الصراع، وكيفية إعادة الخدمات الأساسية في مجالات الكهرباء والمياه والصحة والتعليم.
ــ قررت الحكومة الشرعية نقل المصرف المركزي إلى العاصمة المؤقتة عدن، حيث مقر الحكومة، كيف سيقوم البنك الدولي بمساندة عمليات المصرف، وماذا يحتاج اليمن لاستعادة احتياطياته المالية من النقد الأجنبي التي تم استنزافها؟
البنك المركزي اليمني غير قادر حالياً على أداء وظائفه الرئيسية لدعم الاقتصاد، وهذا يؤثر سلباً على قدرة اليمن على تمويل الواردات الغذائية التي كان البنك يساندها في الماضي، وهذا أيضاً يزيد من المعاناة الإنسانية الناجمة عن الصراع.
وسيدعم البنك الدولي أي مبادرة يمكنها أن تستعيد جهازاً مصرفياً موحداً يخدم الاحتياجات الاقتصادية للشعب اليمني. ومن خلال مؤسسة التمويل الدولية، ذراع البنك الدولي للتعامل مع القطاع الخاص، وجنبا إلى جنب مع شركاء آخرين، فإننا نستكشف خيارات لإنشاء صندوق مؤقت لتمويل التجارة لضمان استمرار استيراد السلع الغذائية الأساسية.
فاليمن يعتمد بشكل كبير على الواردات الغذائية، لكنه لن يستطيع قريبا تحمل تكاليفها. ولمواجهة هذه الأزمة، فإننا نعتقد أنه لا بد من اتخاذ خطوات سريعة.