57 عاماً على احتلال القدس.. التغييرات والأطماع الإسرائيلية بأخطر مراحلها

مع مرور 57 عاماً على احتلال القدس يجمع خبراء فلسطينيون على أن الاحتلال الإسرائيلي تمكن طيلة هذه السنوات من إحداث تغييرات جذرية في المشهد اليومي على مختلف القطاعات في مدينة القدس.
 
ويأتي تغيير المشهد، عبر فرض الاحتلال الإسرائيلي واقعاً جديداً، خاصة في قطاعي الصحة والتعليم، أو من خلال تفعيل وتجديد احتلال القدس بالقوة العسكرية والبوليسية، كما يحدث كل يوم في المسجد الأقصى ومن عمليات إحلال القطاع التجاري وتهويده.
 
ويتجلى التمظهر العسكري والاستيطاني المدعوم حكومياً بأبرز صوره في مسيرة الأعلام الاستيطانية السنوية، والتي شهدت هذا العام مشاركة رفيعة من قبل وزراء في الحكومة وأعضاء كنيست والمؤسسات الدينية والاستيطانية المتطرفة.
 
ويقول مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية زياد الحموري، لـ"العربي الجديد"، إن "هذه المسيرة الاستيطانية غيّرت المشهد تماماً في القدس، وهو ما لم يألفه المقدسيون منذ احتلال القدس عام 1967 ارتباطاً بما يجري من حرب في (قطاع) غزة، وما سبقها من أحداث منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول (الماضي)، وهيمنة اليمين القومي المتطرف على مفاصل الحياة السياسية والعسكرية في دولة الاحتلال، حيث كانت القدس في قلب التوجهات اليمينية المتطرفة التي مارست منذ السابع من أكتوبر سياسة القمع العنصري واستهداف ما تبقى من مظاهر لسيادة القدس".
 

حسم قضية القدس الشرقية

ويرى الخبير المختص في شؤون الاستيطان والقدس خليل تفكجي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن ما يحدث الآن، بعد 57 عاماً من احتلال القدس هو أن الجانب الإسرائيلي اتخذ قراره باتجاه حسم قضية القدس الشرقية، أي أن هذه القدس لم ولن تكون عاصمة للدولة الفلسطينية، وهو ما يحدث الآن من إقامة شبكة السكك الحديدية والأنفاق، وتنفيذ عملية الدمج، وإقامة المناطق الصناعية داخل مدينة القدس بدءا من الطور إلى العيساوية وصور باهر ووادي الجوز.
 
ويشير تفكجي أيضاً إلى إقامة الاحتلال ما يطلق عليه المناطق والمؤسسات السيادية، مثل مقرات الشرطة ووزارة الداخلية ومؤسسة التأمين الوطني ومبنى وزارة العدل في شارع صلاح الدين، بالإضافة إلى إقامة مقر لوزارة الشؤون الاجتماعية في وادي الجوز.
 

أسرلة التعليم في القدس

ويقول تفكجي: كان هناك تدخل للاحتلال في قضية التعليم، أي أسرلة التعليم وشطب المنهاج الفلسطيني والمنهاج الأردني، لكن ما لاحظناه في السنوات الأخيرة والسنة الحالية أن الاحتلال الإسرائيلي بدأ يتدخل بشكل مباشر في قضية التعليم وأسرلته بهدف خلق جيل لا علاقة له بوطنه.
 
ويعتبر أن ما يحدث في القدس الآن عملية استباقية، من خلال الدمج والسيطرة على جميع المؤسسات، سواء كانت تعليمية أو ثقافية، من خلال برنامج يقضي بإقامة مركز ثقافي في منطقة باب الساهرة وملعب الروضة في حي وادي الجوز، وكذلك ما يجري تطويره في منطقة المركز وأقصد بذلك منطقة باب العامود وباب الساهرة.
 
ويتابع تفكجي: "نلحظ أن الجانب الإسرائيلي بدأ يتدخل في القضايا الوطنية ليقول للفلسطينيين إن السيادة في القدس لنا، وإذا أردتم تنظيم أية فعالية فيجب أن يكون بإذننا، بالإضافة إلى فرض سيطرته الكاملة على منطقة المسجد الأقصى والتدخل في موضوع الوصاية الهاشمية، حيث يسمح لمن يشاء ويمنع من يشاء من الدخول للأقصى بحجج مختلفة".
 
ويقول: "هناك أيضاً ما نلاحظه في سلوان من شق وافتتاح الأنفاق وإقامة البؤر الاستيطانية ومحاربة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، ومحاولة إخراجها من القدس".
 

تغير المشهد منذ احتلال القدس

ويشير تفكجي إلى أنه إذا نظرنا إلى المشهد بعد 57 سنة من احتلال القدس فإن إسرائيل استغلت العملية السياسية للوصول إلى أهدافها الاستراتيجية في القدس الموحدة وإقامة القدس الكبرى بالمفهوم الإسرائيلي.
 
ويقول المختص في شؤون القدس والمسجد الأقصى جمال عمرو، لـ"لعربي الجديد": "اليوم المشهد بات واضحاً جداً على الفلسطينيين والمقدسات، حيث يبدو أن الحرب الدينية على الإسلام والمسلمين في أوجها، وأن الاحتلال يحكمه نظام متطرف، وقد أدى هذا الأمر إلى انكشاف وجه الاحتلال على حقيقته وظهر أمام العالم بأنه نظام فصل عنصري وفاشي".
 
ويضيف عمرو: "بعد النكسة كان هناك محاولات من الرسميين الإسرائيليين لاقتحام الأقصى، وكانوا ينتظرون رداً من دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، لكن هذه المسألة لم تعد موجودة اليوم. وكان السائحون يدخلون المسجد بعد أن يدفعوا ثمن التذاكر وكان الدليل السياحي من الأوقاف، لكن اليوم الوصاية الإسلامية على المسجد تراجعت كثيراً".
 
ويؤكد عمرو أن "الأطماع الإسرائيلية وصلت إلى مستويات أخطر حيث الصلوات العلنية، واعتداءات آثمة، وبات هناك سجود ملحمي، واستدارة حول قبة الصخرة من جميع الجهات، واقتحامات رسمية، وجمعيات لما يسمى صنم (جبل) الهيكل، وكل هذا يحصل والعالم يتفرج، بينما خذل العالم العربي والإسلامي الأقصى، وهذا أمر مؤلم جداً وصادم".
 
ويشير إلى أن الاحتلال لديه منظمات تتلقى تمويلاً هائلاً وتحظى بتأييد حكومي رسمي ممثلا بالوزير المتطرف إيتمار بن غفير ولديها تأييد من الشرطة وأجهزة الحكومة المختلفة، ودافعية كبيرة، هذا الاحتلال يسعر حرباً دينية في المنطقة.
 
ولم يكن القطاع السياحي بمعزل عن التغيير الكبير الذي طرأ على المشهد العام لمدينة القدس، حيث أصيب القطاع الفندقي بانتكاسة كبيرة، كما يقول رئيس جمعية السياحة الوافدة في الأراضي المقدسة توني خشرم، مشيراً إلى أنه حتى يونيو/حزيران 1967 كان عدد غرف الفنادق في القدس 2500، أما اليوم فلا يتعدى 1000 غرفة، وذلك لعدة أسباب، أهمها الضرائب.
 
ويشير خشرم، لـ"العربي الجديد"، إلى أن "جميع مزودي الخدمات السياحية في القدس العربية من مكاتب السياحة والمطاعم والحافلات السياحية والأدلاء والمرشدين السياحيين ومحلات التحف الشرقية زاد عددهم بالزيادة الطبيعية لسكان القدس العربية". أما "ورش" التحف الشرقية والصباغة والجلود والخزف وخشب الزيتون، فقد تناقصت بشكل كبير جداً، أي من نحو 37 "ورشة" عند احتلال القدس إلى سبع حالياً.
 

تضييق الخناق على اقتصاد القدس

هذه المعطيات التي عرضها خشرم، يؤكد عليها أيضاً أمين سر الغرفة التجارية الصناعية العربية في القدس، حجازي الرشق. ويقول الرشق، لـ"العربي الجديد"، إن "تضييق الخناق على القطاع الاقتصادي في القدس يتم عبر اختلاق قوانين تهدف إلى ضرب الاقتصاد وشل الحركة التجارية، وتضييق الخناق على وصول المشترين إلى محلات القدس عامة والبلدة القديمة بشكل خاص لتوجيههم إلى الأسواق والمجمعات التجارية التي تحيط بالمدينة بدءًا من قلنديا إلى الخان الأحمر وصولاً إلى بيت فجار، وذلك بالتزامن مع تواصل العمل لأسرلة المدينة عبر تغيير هويتها العربية ومعالمها التاريخية".
 
ويشير حجازي إلى أنه منذ احتلال القدس وحتى العام 2020 أغلق 312 محلاً، وقد ارتفع العدد إلى 352 بسبب جائحة كورونا وحرب غزة.
 
وأدت النكبات السياسية منذ احتلال القدس إلى تزايد المخاطر التي تهدد مستقبل المدينة ووجود المقدسيين فيها. ويقول طلال أبو عفيفة أستاذ القانون وأحد قياديي حركة فتح، لـ"العربي الجديد"، إنه "بعد 57 سنة من احتلال القدس شهد شعبنا نكسات ونكبات جديدة، آخرها ما جرى ويجري في قطاع غزة من مجازر تحت سمع وبصر المجتمع الدولي وخاصة الولايات المتحدة الداعم الأول لإسرائيل عسكرياً وسياسياً، في وقت تعلو فيه أصوات بعض دول الأوروبية نحو الاعتراف بحق شعبنا بدولة مستقلة".
 
لكن المهم، وفق أبو عفيفة، اعتراف مجلس الأمن بحق الفلسطينيين بدولة مستقلة كباقي دول العالم وإجبار إسرائيل على إقامة هذه الدولة في الضفة الغربية وقطاع غزة. ويعتبر أن إحالة قضية الاعتراف بالدولة الفلسطينية إلى المفاوضات بين الفلسطينيين وإسرائيل تهرب من اعتراف الولايات المتحدة بهذه الدولة، كونها تعلم أنه يستحيل أن تعترف إسرائيل، التي تعاظم اليمين المتطرف فيها، بإقامة دولة فلسطينية إلى جانبها.
 
(العربي الجديد)

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر