قال المدير العام لـ"المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، عزمي بشارة، إنّ أي حديث عن تسوية أو هدن قادمة في قطاع غزة يجب أن يشمل وقف معاناة الشعب الفلسطيني، مؤكداً أن ذلك قد يتم من خلال وقف شامل لإطلاق النار أو اتفاق دولي يحظر قصف المدنيين.
ورجح أن تكون الهدن المؤقتة، في حال حصلت، بمثابة "عقابٍ لا حلّ"، لأن القصف الإسرائيلي يتضاعف في اليوم التالي من انتهاء الهدنة. وأشار إلى أن حديث المقاومة عن عدم وجود مفاوضات دون وقف إطلاق النار يفشل مسعى إسرائيل بأن تظهر مهتمة بأسراها أمام المجتمع الإسرائيلي.
"مستنقع غزة"
وفي حوار خاص مع التلفزيون "العربي" من مدينة لوسيل في قطر، توقع المفكر العربي أن تدخل إسرائيل في "مستنقع" داخل قطاع غزة، لأن القيادات الإسرائيلية تخطط للاستمرار لمدة عام كامل في هذه الحرب، معتقداً أن تكون هذه بمثابة ورطة بالنسبة لها، لأن "هذه المدة لن تكفي لتحقيق أهدافها المعلنة" من جهة، ما يجعل خيار الانسحاب بمثابة هزيمة أمام المجتمع الإسرائيلي، ومن جهة أخرى "لن تستطيع تحمّل عواقب البقاء أكثر من هذه المدة". وشدد على أن "محاولة إسرائيل السيطرة على غزة أمنيا ستحوّل القطاع إلى مستنقع تغوص فيه".
وتعقيباً على إعلان جيش الاحتلال الدخول في "المرحلة المقبلة" من الحرب، أعرب بشارة عن اعتقاده أن "إسرائيل لم تحقق أهدافها المعلنة، لكنها حققت أهدافاً جزئية دون تحقيق الهدف الرئيسي، وهو القضاء على المقاومة"، بل على العكس من ذلك، رأى المفكر العربي أن "الاحتلال منح الفرصة لوجود المقاومة" في قطاع غزة، شارحاً ذلك بأن "المقاومة (في العادة) تنهض عندما يُستكمل الاحتلال"، فهي "تبدأ بتنفيذ هجماتها عندما تتمركز إسرائيل (...) ويبدأ جيش الاحتلال بدفع الثمن وتلقي الخسائر".
وأوضح المفكر العربي أن المرحلة الثالثة من الحرب "ليست مجرد خيار" بالنسبة لإسرائيل، معتقداً أن الاحتلال مجبر على مثل هذه الخطوة، إذ إن "القصف الشامل أدى أهدافه بتدمير غزة، ولم تعد هناك أهداف حقيقية لقصفها"، مشيراً إلى أن القادة الإسرائيليين يطلقون على هذه المرحلة "زوراً وبهتاناً" مرحلة "العمليات الجراحية"، التي تعني تنفيذ "عمليات أكثر تحديداً"، لكن "هذا يتطلب تمركزاً في وسط قطاع غزة من أجل فصل جنوب القطاع عن شماله". كما رجح مدير "المركز العربي" أن تقوم إسرائيل بـ"إنشاء غلاف حوالي غزة"، ما يجعل "كل المواقع الإسرائيلية أهدافاً للمقاومة".
وحول كتابات بعض المحللين الإسرائيليين عن دخول إسرائيل في "وحل غزة"، في إشارة إلى الخسائر التي يتعرض لها جيش الاحتلال، قال بشارة إنّ "هذا التعبير صحيح"، لكنه دعا في الوقت ذاته إلى "عدم الانتقال من تصوير إسرائيل من قوة لا تُقهر، إلى الاستخفاف بها".
استهداف المدنيين مخطط وممنهج
وعند حديثه عن الخسائر الكبيرة في صفوف المدنيين في قطاع غزة، رأى بشارة أن الدمار الكبير في قطاع غزة لم يكن مجرد "أضرار جانبية"، خصوصاً أن "المسؤولين الإسرائيليين يقولون إنهم يريدون تدمير غزة"، معتقداً أن "التدمير هو الهدف الرئيسي من الحرب". ويربط المفكر العربي هذه الرغبة بهدف إسرائيل "معاقبة الشعب الفلسطيني" من جهة، و"شفاء غليل المجتمع الإسرائيلي" من جهة أخرى.
ويستطرد قائلاً إن إسرائيل تأمل أن يؤدي دمار غزة إلى "مرحلة خطيرة من الهجرة"، خصوصاً أن هذه الحرب أدت إلى نزوح 300 ألف عائلة حتى الآن. وأكد أيضاً أن هنالك هدفا آخر لتدمير القطاع، وهو رغبة إسرائيل في "تسجيل ردة فعل على قيادة المقاومة الفلسطينية من قبل الشعب".
واستكمالاً لما قاله، يجزم بشارة بأن "كل الكلام الغربي عن أن إسرائيل لا تستهدف المدنيين غير صحيح (...) هذا هدف مخطط وممنهج وتدريجي وجارٍ تنفيذه بمثابرة"، مسلطاً الضوء على أن هذه الوحشية عند المجتمع الإسرائيلي تمت عبر "عملية ممنهجة من التعليم والإعلام والخطاب السياسي الذي يستخدم لغة عنصرية لتصوير العرب بهذا الشكل"، ومن هذا المنطلق، لا بد من فهم "الإجماع الإسرائيلي على الحرب".
حلّ الدولتين وقرار مجلس الأمن
وعلى صعيد متصل بالتحركات والمبادرات العالمية والعربية، رأى بشارة أن المباحثات التي تجري في القاهرة بشأن مشروع سياسي مقترح يجب أن تراعي "أماني وطموحات الشعب الفلسطيني".
وفي ما يتعلق بالحديث العالمي عن "حلّ الدولتين"، أكد بشارة أن الموضوع يتم تناوله منذ توقيع اتفاقية أوسلو. لكن ما يجرى هو عملية تعطيل لهذه المبادرة، إذ "توجد مفاوضات دون قاعدة متفق عليها"، حيث ترفض إسرائيل حلّ الدولتين، فيما تتبناه أطراف أميركية وفلسطينية، وهذا ما يجعل "المفاوضات بلا نهاية"، لأن الأطراف "لا تتفاوض لتصل إلى اتفاق، بل إنها تتفاوض عندما تتوصل إلى اتفاق، لكن إسرائيل مستعدة أن تقبل الدولة كتسمية فقط، وهو ما أفرغ المفاوضات من محتواها".
وفي نهاية حديثه عن هذا الملف، أشار المفكر العربي إلى الموقف الغربي من "حلّ الدولتين"، قائلاً إنّهم "يشددون على حلّ الدولتين ويرفضون دولة فلسطينية ذات سيادة وجيش وسيطرة على الحدود (...) بايدن والأوروبيون يتحدثون عن الدولتين، وما يطبق على الأرض هو نظام أبرتهايد (فصل عنصري)"، مشيراً إلى أن إسرائيل لا تتحدث عن حلّ دولتين، بل يتحدث بعض السياسيين من أحزاب المعارضة، على غرار بني غانتس، عن كيانين، فيما يتحدث آخرون عن فصل الفلسطينيين.
ورداً على سؤال حول إمكانية أن تستغل الأطراف العربية ما حدث في غزة في الضغط على واشنطن من أجل السعي بشكل جدي نحو "حلّ الدولتين"، أكد بشارة أن "الدول العربية، في حال كانت صادقة في مساعيها، يمكن أن تستغل هذا من أجل طرح مبادرة سلام عربية"، لكنه وضّح أن "أي تنازل عن ذلك هو تطبيع مجاني يقوي اليمين الإسرائيلي".
ورأى المدير العام لـ"المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" أنه "لا يجب أن يتدخل العرب في شكل حكم القطاع بعد انتهاء الحرب، لأن الحديث الآن عن ترتيب الأمور بعد انتهاء الحرب هو تواطؤ"، مستدركاً: "طبعاً يمكن أن تساعد الدول العربية الفلسطينيين في ما بينهم، لكن ليس من خلال التساوق مع إسرائيل وأميركا في كيفية إراحة إسرائيل من قطاع غزة".
أما قرار مجلس الأمن الأخير، فوصفه المفكر العربي بأنه "بلا لون ولا طعم ولا رائحة.. القرار من نوع حركة بلا بركة. القرار لا يوجد فيه شيء يمكن أن يغيّر واقع الحياة في غزة".
وفي مؤشر على هزالة القرار، استشهد بشارة بتعليق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، الذي تحدث عن أن أي قرار بدون وقف إطلاق النار "بلا قيمة". كما استحضر "سخرية" إسرائيل من قرار مجلس الأمن الدولي، الذي قالت إنه "يعيش في عالم آخر".
المصدر: العربي الجديد