سيطر نبأ مقتل 3 من المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة برصاص جيشهم، على تغطية الإعلام الإسرائيلي، فبينما حاول بعض المحللين تسويغ خطأ الجيش، بسبب الظروف الصعبة والمعقدة للعمليات العسكرية في حي الشجاعية؛ طالب آخرون بضرورة العمل على إعادة الأسرى أحياء، وإيجاد آلية لتحقيق ذلك.
وأحدث مقتل المحتجزين الثلاثة ردود فعل غاضبة في إسرائيل. وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي جوناثان كونريكوس، إن الحادثة "هزت أركان الجيش برمته"، مضيفا بأن الجنود الذين أطلقوا النار تصرفوا بشكل مخالف لقواعد الاشتباك، لكنه رجّح أن يكون السبب عائدا إلى "التعب والتوتر" حسب تعبيره.
وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، اليوم الأحد، إن الجيش الإسرائيلي لم يدرب جنوده على إمكانية العثور على محتجزين في غزة أحياء في القطاع، ولم يوجههم لكيفية التعامل مع ذلك، الأمر الذي تسبب بقتلهم ثلاثة منهم، نهاية الأسبوع، في الشجاعية، ظناً أنهم من المقاومة.
وأضافت الصحيفة أن "الجنود الذين خاطروا بحياتهم من أجل مهمة إنقاذ المحتجزين في غزة، قاموا بقتلهم عن طريق الخطأ في ساحة المعركة"، مشيرة إلى أن "مسؤولية كبيرة تقع على الضباط تجاه هذا الحدث، إذ تبيّن أنهم لم يقوموا بتوجيه الجنود لاحتمال مصادفة محتجزين في غزة على قيد الحياة في ساحة المعركة وكيفية التصرف في حالة من هذا النوع".
ونقلت الصحيفة عن ضابط كبير لم تسمّه قوله: "لم نفكّر بأن هناك احتمالاً لرؤية محتجزين في هذه المنطقة". وإلى جانب المحتجزين الذين قتلهم الجيش الإسرائيلي، فقد قتل 13 جندياً بـ"نيران صديقة"، أي من قبل جنود آخرين منذ بداية الحرب، بحسب المعطيات التي نشرها جيش الاحتلال الإسرائيلي حتى اللحظة.
وبحسب الصحيفة، فإن السؤال الآن في هذه المرحلة ماذا بعد؟ مشيرة إلى أن "ضغط عائلات المحتجزين في غزة على حكومة الاحتلال في تصاعد مستمر من أجل إبرام صفقة جديدة، في حين أن شروط حركة حماس غير مقبولة، وعلى رأسها وقف الحرب".
نتيجة مرعبة
وعلى الرغم من ثبوت فشل الاستراتيجية الإسرائيلية بأن المزيد من القوة العسكرية من شأنها إطلاق سراح المحتجزين في غزة، ذلك أنها تتسبب بقتلهم أحياناً، فإن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ورئيس هيئة الأركان هرتسي هاليفي وأعضاء مجلس الحرب كرروا موقفهم يوم أمس، الداعي إلى مواصلة الحرب بقوة كبيرة. وقال هاليفي "بدون ذلك لن نستطيع إعادة المختطفين والأمن".
ويرى مراسل الشؤون العسكرية في الصحيفة يوسي يشواع أنه "لولا الأخطاء على الأرض، لكان جيش الاحتلال سيستقبل المحتجزين في غزة، ولكانت ستكون تلك قصة نجاح مبهرة، وتؤكد مجدداً أهمية العملية البرية، ولكن هذا لم يحدث".
من هنا، يرى الكاتب أنه يجب الفصل بين أمرين، "القتال خلق وضعاً تمكّن فيه محتجزون من الفرار والتقوا جنوداً، لكن من جهة أخرى تعامل الجنود على الأرض أدى إلى هذه النتيجة المرعبة. في نهاية المطاف، حتى لو فشل الجنود وهناك انتقادات مشروعة موجّهة لهم وخاصة للضباط، فيجب تمرير هذه الانتقادات بحذر، ذلك أن الانتصار بالحرب وتعزيز احتمالات إنقاذ محتجزين يتطلبان جنوداً مع رأس مرفوع وروح قتالية".
المحتجزون تهديد وجودي لإسرائيل
من جانبها قالت تاليا لنكري -نائبة رئيس مجلس الأمن القومي سابقا-، إن التهديد الذي تمثله حركة المقاومة الإسلامية (حماس) مهما كان صعبا، فهو ليس تهديدا وجوديا على دولة إسرائيل، خاصة بعد تدمير قدراتها العسكرية.
لكنها ترى أن عدم إعادة المحتجزين هو التهديد الوجودي على إسرائيل، لما فيه من فقد الثقة بالقيادة والقدرة على العيش في هذه الأرض، مشددة على ضرورة الاستمرار في العمل قدر الإمكان للوصول إلى وضع يتم فيه تحرير المحتجزين عن طريق اتفاقيات جديدة.
بينما نقلت القناة 12 عن موشيه كبلينسكي -نائب رئيس هيئة الأركان سابقا- قوله، إن هذا الحدث مأساوي وكان ضمن "السيناريوهات" السوداء التي كان يخشى وقوعها، لكنه رأى أن الحدث يؤكد صعوبة الأوضاع التي تعمل من خلالها قوات الجيش، وأنه لا بد من منحه فرصة للتحقيق في الحدث.
وقال محلل آخر، إن هذه حرب وفي الحرب تقع عيوب وأخطاء صعبة، مشيرا إلى ما نقلته صحيفة هآرتس عن أن 13 جنديا (يمثلون قرابة 10% من قتلى الجيش حسب إعلانه)، قُتلوا نتيجة نيران صديقة، وهو ما يعني وجود توتر عملياتي كبير، لذلك تقع عيوب وأخطاء.
بينما يرى المراسل العسكري للقناة 13، ألون بن دافيد، إن هذا الحدث صعب ورهيب يكسر القلب ولا توجد كلمات أخرى لوصفه، وهو يمثل التصادم بين هدفي الحرب مضيفا "أنها نهاية مأساوية".
اتفاق جديد
في المقابل، قال "راز مطلون" وهو قريب اثنين من المحتجزين، إن الجيش نجح في إنقاذ محتجزة واحدة عبر العملية العسكرية، بينما نجح في إخراج 110 عبر اتفاق، وهذا يعني الحاجة إلى اتفاق جديد من أجل إعادة البقية أحياء.
وأضاف في حديثه للقناة 11: "لو قالوا لي سنبدأ آلية لتخليص المخطوفين بتحرير 3 إلى 5 ففي النهاية سيصلون إلى يوسي وإيلي (أقاربه المحتجزين).. أريد أن يبدؤوا بهذه الآلية لأن هذا ضروري جدا".
وقالت ميراف ليشيم، وهي والدة إحدى المحتجزات، إنه لا بد من أن يتذكر الجميع أن هناك محتجزين على قيد الحياة لهم قصة ويعانون ظروفا سيئة جدا ويجب إعادتهم الآن، وقالت دفورا ليشيم، جدة المختطفة نفسها، إنه لا بد من عدم الانتظار حتى يقرر السيد يحيى السنوار (رئيس حركة حماس في غزة) ماذا يريد.
أما وزير الزراعة آفي ديختر – كان رئيسا سابقا لجهاز الشاباك- فقال للقناة 11، إن ما حدث مأساة حقيقية ذات حساسية كبيرة، فجميع المحتجزين الذين نجح الجيش في الوصول إليهم كانوا قتلى، وفي هذا الحدث كان من الممكن إنقاذ مخطوفين أحياء، ولكن نتلقاهم مقتولين وبأيدينا.
وفي معركة طوفان الأقصى تمكنت كتائب عز الدين القسام -الجناح العسكرية لحركة حماس- من أسر 239 إسرائيليا معظمهم من الجنود، وبادلت مدنيين مقابل أسرى فلسطينيين من الأطفال والنساء خلال الهدنة الإنسانية.
المصدر : الجزيرة + العربي الجديد