ألقت الجزائر بكل ثقلها السياسي والدبلوماسي خلال الأسابيع الأخيرة لضمان مقعد لها ضمن مجموعة “بريكس”، وهي تكتل سياسي واقتصادي تأسس عام 2009 ويضم كلا من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا.
التحركات الجزائرية تتزامن مع بداية العد التنازلي لعقد قمة لقادة المجموعة في مدينة جوهانسبورغ بجنوب إفريقيا بين 22 و24 أغسطس/ آب الجاري، وقد تشهد الإعلان عن ضم أعضاء جدد، لكن دون الكشف عن المعايير الحقيقية لقبول دول جديدة.
وتترقب دول عربية انعقاد القمة لبحث طلبات انضمامها إلى “بريكس”، التي تسعى إلى كسر هيمنة الغرب، وبحسب ما أعلنته جنوب إفريقيا قدمت 23 دولة طلبات رسمية للانضمام إلى المجموعة، بينها الجزائر ومصر والسعودية والإمارات والبحرين والكويت والمغرب وفلسطين.
دعم للجزائر
وقبل نحو أسبوعين، قال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في مقابلة مع وسائل إعلام محلية، إن “الصين وباقي الدول الفاعلة في مجموعة بريكس، على غرار روسيا وجنوب إفريقيا والبرازيل، تدعم انضمام الجزائر إلى هذا القطب الجديد”.
لكن تبون لم يجزم بأن انضمام بلاده إلى التكتل سيكون خلال القمة القادمة، مشيرا إلى أن أول خطوة قد تكون قبولها كعضو مراقب.
ويعتبر مراقبون “بريكس” بمثابة منظمة موازية لمجموعة السبعة الكبار التي تقودها الولايات المتحدة وتضم كلا من فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا وكندا واليابان.
وللمرة الأولى، أعلن تبون في صيف 2022 اهتمام بلاده بالانضمام إلى “بريكس”، ونهاية العام نفسه قالت المبعوثة الخاصة المكلفة بالشراكات الدولية الكبرى بوزارة الخارجية الجزائرية ليلى زروقي إن بلادها قدمت طلبا رسميا بهذا الشأن.
وعقب هذه الخطوة، صدرت تصريحات من كل من الصين وروسيا وجنوب إفريقيا ترحب بمساعي الجزائر للانضمام إلى التكتل.
بنك بريكس
والترشح للانضمام إلى “بريكس” كان أهم ملف في حقيبة تبون خلال زيارتين أجراهما إلى روسيا والصين في يونيو/ حزيران ويوليو/ تموز الماضيين.
وفي البلدين، صدرت بيانات مشتركة تؤكد تناول ملف “بريكس” ضمن المباحثات ودعم الدولتين لملف ترشح الجزائر.
وخلال زيارته إلى الصين منتصف يوليو الماضي، أعلن تبون أن بلاده راسلت مديرة بنك “بريكس” للدخول كمساهم في البنك بمليار ونصف مليار دولار.
وكشف تبون خلال لقائه الأخير بوسائل الإعلام، أن الجزائر اشترت أسهما في البنك قائلا: “نحن مشاركون في رأس مال البنك حتى بحالة عدم انضمامنا لبريكس”.
سفراء المجموعة
وقبل أيام عن قمة جوهانسبورغ، استقبل وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف في 13 أغسطس، سفراء الدول الأعضاء في “بريكس” لدى الجزائر، وذلك بتكليف من تبون، بحسب بيان للخارجية.
ووفقا للخارجية، “تم تسليط الضوء على مقومات هذا الترشح (الجزائري للمجموعة) الذي يستند على إرادة سياسية قوية من لدن رئيس الجمهورية، ويستمد خصوصيته من المبادئ والقيم والمراجع التي ترتكز عليها السياسة الخارجية لبلادنا، وهي التي ما فتئت ترافع من أجل قيام نظام دولي متعدد الأقطاب وتعمل في سبيل تفعيل العمل الدولي متعدد الأطراف ودمقرطة العلاقات الدولية”.
ونقل البيان عن عطاف تأكيده للسفراء أن الجزائر تطمح إلى تقديم مساهمة نوعية في نشاط التكتل، بما يخدم أهداف السلم والأمن والتنمية والرخاء إقليميا ودوليا.
اقتصاد الجزائر
المحلل السياسي توفيق بوقاعدة أعرب عن اعتقاده، في حديث للأناضول، أن انضمام الجزائر لـ”بريكس” قد يتأجل خلال القمة المقبلة لأسباب يرتبط بعضها بالتكتل ذاته ويتعلق البعض الآخر بطبيعة ونمط الاقتصاد الجزائري.
وأوضح بوقاعدة، وهو أستاذ في كلية العلوم السياسية بجامعة الجزائر الحكومية، أنه “لحد الآن لم تتضح صورة وآليات توسعة التكتل، وهل يُقدم فعلا على ضم دول جديدة أم يتم إرجاء ذلك إلى وقت آخر يتميز باستقرار دولي أكثر حتى لا تتم إثارة حساسية قوى غربية من وراء توسعة المجموعة”.
أما الأسباب المتعلقة بطبيعة ونمط الاقتصاد الجزائري، فقال إنه “لا يتوفر لحد الآن على أهم 3 عوامل أساسية تفكر المنظمة في إدراجها كشروط أساسية للانضمام بحسب أغلب المتابعين، وهي تنوع الاقتصاد وقيمة الناتج المحلي الإجمالي وعدد السكان”.
وتابع أن تبون أدلى مؤخرا بتصريحات حملت تلميحات بأن الجزائر لا يمكنها أن تكون عضوا كامل الصلاحيات في الاجتماع المقبل للمنظمة، لكنها تأمل بأن تُقبل كعضو مراقب يشارك أيضا في بنك التنمية الجديد (تابع للتكتل).
بوقاعدة علق على هذا التصريح بقوله: “بالتالي تحاول الجزائر الاقتراب أكثر من المجموعة من خلال العمل على إصلاح الوضع الاقتصادي وتعزيزه وتنويعه مع عديد الشركاء”.
واعتبر أن انضمام بلاده إلى هذا التكتل “سيكون بكل تأكيد مكسبا لها لتعزيز مكانتها كقوة إقليمية في المنطقة”، والدخول في شراكات جديدة وتنويع مصادر الاستثمارات من دول المجموعة والحصول على امتيازات تمويلية من بنك “بريكس”.
وفي حال عدم انضمامها هذه المرة، كما أضاف بوقاعدة، فإن الجزائر تعمل بشكل مستمر لتحسين وضعها الاقتصادي، وعدم الانضمام لا يعني النهاية، بل السعي إلى تعزيز قوتها أكثر.
مسألة وقت
أما المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية بجامعة ورقلة الحكومية (جنوب) قوي بوحنية فقال للأناضول إن انضمام الجزائر إلى “بريكس” هي “مسألة وقت”.
وأردف أن “كل مقومات الانضمام إلى التكتل متوفرة من خلال امتلاك الجزائر مقدرات اقتصادية بإنتاج نفطي وغازي وطاقات جديدة وبديلة، وتعد عضوا فاعلا في تحالف أوبك+”.
كما أن “لدى الجزائر إمكانيات في مجال توظيف قدرات بناء الأمن والاستقرار، ودوما تقدم المقاربة المرتبطة بتصدير الأمن والاستقرار في القارة الإفريقية”، بحسب بوحنية.
واستطرد: “الجزائر تمتلك قدرات أكبر مقارنة بكل دول الشمال الإفريقي وأيضا الدول الإفريقية، فضلا عن كونها قوة اقتصادية وعسكرية، والآن دخلت مرحلة إعادة صياغة وبناء منظومة جديدة لتنويع الموارد والشركاء الاقتصاديين”.
ومضى: “هناك نقطة مهمة أيضا، وهي أن الجزائر تمتلك قرارها السيادي خلافا لكثير من الدول الإفريقية المرتهنة سياسيا واقتصاديا من دول مستعمرة سابقة.. كل هذه مؤشرات إيجابية تجعل من الانضمام إلى بريكس مسألة وقت”.
وختم بأنه “على الأرجح سيتم في القمة المقبلة البت في قبول عضوية الجزائر في بريكس بشكل نهائي، أو على الأقل وضع ملف الجزائر للدراسة من أجل الشروع في ترتيبات الانضمام، وهذا ما هو متوقع”.
(الأناضول)