تبنّت الفصائل المسلّحة الحليفة لإيران في العراق موقفاً مغايراً لـ"التيار الصدري" بزعامة مقتدى الصدر، الذي يتظاهر أنصاره منذ أيام في بغداد، ويضغط على رئيس الحكومة محمد شياع السوداني من أجل اتخاذ موقف تجاه الدنمارك، بعد تكرار الاعتداء على نسخة من القرآن الكريم والعلم العراقي، ومحاولته، فجر أمس السبت، اقتحام السفارة الواقعة داخل المنطقة الخضراء.
ويرى العديد من المراقبين العراقيين أنّ جانباً كبيراً من الموقف الصدري الأخير يتعلق برسائل سياسية داخلية لخصومه من القوى الشيعية، من أبرزها استعراض القوة الشعبية التي يتمتع بها في الشارع، وأيضاً التلويح بعودته إلى العملية السياسية بعد عام من انكفائه عنها إثر الأزمة السياسية التي تخللتها مواجهات مسلّحة بين أنصاره وفصائل أخرى في بغداد والبصرة.
واقتحم الصدريون السفارة السويدية، وأضرموا فيها النار مرتين، كما حاولوا اقتحام سفارة الدنمارك وسط المنطقة الخضراء في بغداد، في وقت سُجّل هجوم على مقر لشركة دنماركية في البصرة، ترجح الشرطة وقوف أنصار الصدر خلفه. كما هدّد الصدر، في بيان له، باتخاذ خطوات تصعيدية بسبب تكرار حادثة حرق المصحف أمام السفارة العراقية في السويد والدنمارك، بالحديث عن "ثورة"، وهو ما رفع سقف التكهنات حيال خطوته المقبلة.
في المقابل، أبدى زعيم مليشيا "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي موقفاً داعماً للحكومة، مؤكداً، في بيان له السبت، أنه "من المهم الابتعاد عن أي تصرف يضعف العراق كدولة". كما تحدث عن أن "واجب الدولة والحكومة حماية البعثات الدبلوماسية، وهي لم تقصر في ما مطلوب منها"، موضحاً أن "الدفاع عن القرآن الكريم هو واجب كل المسلمين، وليس العراق بمفرده".
من جهته، أبدى زعيم مليشيا "كتائب الإمام علي" شبل الزيدي انتقاداً لتظاهرات "التيار الصدري"، ومحاولة الوصول إلى مبنى السفارة الدنماركية، مؤكداً، في تصريحات صحافية السبت، أن "ما يقوم به بعض الأخوة هو تحطيم هيبة الدولة أمام الرأي العالمي، وكأن هناك سلطة فوق القانون في العراق، وأننا بلد فاقد للسيطرة".
أمّا رئيس كتلة "حقوق" البرلمانية، وهي الجناح السياسي لمليشيا "كتائب حزب الله" العراقية، حسين مؤنس، فأكد في تغريدة له أن "الدبلوماسية العراقية والأجهزة الأمنية أمام اختبار قدرات في ملف استرداد الأحمق (سلوان موميكا) الذي اعتدى على علم البلاد ومقدساته، وما دون ذلك الذل والهوان".
وقررت الحكومة العراقية، أمس السبت، وضع شروط لترخيص خروج التظاهرات السلمية، مؤكدة ضرورة الاستحصال على الموافقات الرسمية قبل أي تظاهرة، فيما لوّحت بمحاسبة قانونية وإجراءات أمنية رادعة ستطاول المخالفين.
واعتبر المحلل السياسي العراقي أحمد علاوي "موقف الفصائل الأخير، الرافض لاقتحام السفارات والداعي لترك التصرف للحكومة ووزارة الخارجية، ينطلق من مبدأ مخالفة أي خطوة يقوم بها الصدريون"، متسائلاً عن تهديدات سابقة لنفس تلك الفصائل باقتحام السفارات السعودية والبحرينية والأردنية في أوقات سابقة، بالقول: "أين كانت شعارات هيبة الدولة آنذاك؟".
ويضيف علاوي، لـ"العربي الجديد"، أن "الموقف الصدري في المقابل يعكس في جانب كبير منه رسائل داخلية سياسية أكثر من الخارجية، وهي موجهة للفصائل المسلحة، منها أن جمهور التيار الصدري ما زال جاهزاً حتى بعد عام من اختفاء أثره بالشارع إثر أوامر زعيمه".
بدوره، رأى الباحث في الشأن السياسي العراقي شاهو القرة داغي أن تلك المواقف هي "متاجرة سياسية"، وعلّق في تغريدة له على خطاب لزعيم "تحالف الفتح" هادي العامري، قال فيه: "وحدتنا ونصرتنا للقرآن الكريم أفشلتا مخططات الغرب"، وتساءل القرة داغي: "أي وحدة! حتى في هذه القضية هناك متاجرة سياسية وكل طرف يطعن بالآخر!".
وتراجعت ما تُسمّى بـ"فصائل المقاومة العراقية" عن مواقفها السابقة باستهداف المصالح الأجنبية والبعثات الدبلوماسية بالعراق، بعدما انضمت تلك الفصائل إلى التحالف الحاكم "الإطار التنسيقي"، إذ كانت تستهدف صواريخها وطائراتها المسيّرة القواعد والمعسكرات التي تضم القوات الأميركية في العراق، ومقار البعثات الدبلوماسية، فضلاً عن استهداف أرتال الدعم اللوجستي التابعة لقوات التحالف الدولي.
وكان آخر هجوم صاروخي شهدته المنطقة الخضراء قد وقع في 29 سبتمبر/ أيلول الماضي، بصواريخ سقط عدد منها في محيط السفارة الأميركية، أعقبته هجمات بعبوات ناسفة استهدفت ما يُعرف بأرتال الدعم اللوجستي التي تحمل معدات غير عسكرية لقوات التحالف في العراق، آخرها في 12 أكتوبر/ تشرين الأول 2022.
(العربي الجديد)