على مدى السنة الأولى من الحرب الروسية الأوكرانية، خيم شبح خطر اندلاع حرب نووية على العالم، على ضوء تلويحات روسية متكررة بإمكانية استخدام السلاح النووي للدفاع عن مصالحها، منذ أن أمر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في الأيام الأولى من الحرب بتحويل قوات الردع التابعة للجيش الروسي إلى حالة "النظام الخاص لأداء الدوريّة القتالية".
وبعد عام تقريبا، استبق بوتين الذكرى الأولى لبدء الحرب التي تحل اليوم الجمعة، بإعلانه عن تعليق مشاركة بلاده في معاهدة الحد من الأسلحة الهجومية الاستراتيجية "ستارت-3" ونشر صواريخ "سارمات" النووية، بينما لا يكف ضيوف برامج "التوك شو" على القنوات التلفزيونية الروسية عن الحديث عن إمكانية استخدام السلاح النووي، شأنهم في ذلك شأن نائب رئيس مجلس الأمن، دميتري ميدفيديف، الذي تحول من سياسي ليبرالي إلى أحد صقور الإستبلشمنت الروسي.
ومع ذلك، ثمة شكوك في جدية روسيا في تلويحاتها بالعصا النووية أو استخدامها سلاحا نوويا تكتيكيا في أوكرانيا ما لم يصل الوضع الميداني العسكري إلى الاستهداف المباشر لمدن في العمق الروسي أو شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا في عام 2014، وتعتبرها رمزا لـ"استعادة وحدة" الأراضي التاريخية للإمبراطورية الروسية المتلاشية، ناهيك بدورها المحوري في رفع نسبة تأييد بوتين خلال الولاية الثالثة من حكمه.
ويشكك المحلل السياسي، كبير الباحثين في معهد المعلومات العلمية حول العلوم الاجتماعية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، بوريس ميجويف، في واقعية لجوء روسيا لاستخدام السلاح النووي في أوكرانيا في حال استمرار النزاع ضمن مجراه الحالي، مقرا في الوقت نفسه بأن كثرة التلويح بالأسلحة النووية تقلل من أهميتها.
ويقول ميجويف في حديث لـ"العربي الجديد": "هناك خطر اندلاع حرب نووية، ولكنه ليس في أعلى مستوياته، لأن الوضع على الجبهة يتحول إلى نزاع ذي وتيرة بطيئة، وروسيا تحقق بعض التقدم بواسطة شركة (فاغنر) العسكرية الخاصة، وقد يليه تقدم للجيش. إلا أن كثرة التلويح بالأسلحة النووية تقلل من قيمتها كسلاح ردع استراتيجي".
وحول رؤيته للحالات التي قد تلجأ فيها روسيا حقا لاستخدام السلاح النووي، يضيف: "أعتقد أن هناك خطوطا حمرا لن تسمح روسيا بتجاوزها وحددتها بالهجوم المباشر على القرم أو مدن العمق الروسي بواسطة صواريخ بعيدة المدى. أما المناطق التي ضمتها حديثا، دونيتسك ولوغانسك وزاباروجيا وخيرسون، فموسكو لا تتبرأ منها، لكن هناك انطباعا بأنها تعتبرها ساحة للمعركة من أجل ما تراه أراضي روسية تاريخيا".
بدوره، يجزم الباحث الأكاديمي الأوكراني، إيغور سيميفولوس، بأن الغرب لم يعد يتخوف من لجوء روسيا لاستخدام السلاح النووي في أوكرانيا، مما فتح الباب على مصراعيه أمام الارتقاء بنوعية الأسلحة الموردة إلى كييف، وفق اعتقاده.
ويقول سيميفولوس في اتصال مع "العربي الجديد" من العاصمة الأوكرانية كييف: "في الأشهر الماضية، تجاوز الغرب نقطة التحول في مسألة نوعية الأسلحة الموردة إلى أوكرانيا، ويجري الحديث عن توريد المقاتلات وتدريب الطيارين... ما كان للغرب أن يقدم على ذلك في حال كان لا يزال يؤمن بإمكانية لجوء روسيا للسلاح النووي".
وكانت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية قد ذكرت، نقلا عن مصدرين مقربين عن الكرملين، أمس الخميس، أن بوتين قد استنفد ورقة السلاح النووي في أوكرانيا، خارجا بنتيجة مفادها أن حتى ضربة محدودة لن تحقق شيئا لروسيا.
إلا أن ذلك لم يمنع سيد الكرملين من تصعيد عسكرة لهجته عشية حلول الذكرى الأولى لبدء الحرب في أوكرانيا، بإعلانه في كلمته بمناسبة عيد حماة الوطن الذي تحتفل به روسيا في 23 فبراير/شباط، عن مواصلة تعزيز الثالوث النووي الروسي وبدء أولى منصات منظومة الصواريخ "سارمات" الثقيلة دوريتها القتالية هذا العام.
(العربي الجديد)