بعد إعلان الدفاع المدني السوري "الخوذ البيضاء" انتهاء عمليات البحث عن ناجين من الزلزال الذي ضرب الشمال السوري وتركيا، بدأت المرحلة الثانية من التعامل مع التداعيات، والتي تشمل إغاثة الناجين والمتضررين، وتأمين مساكن بديلة.
يبدو الوضع في مناطق سيطرة النظام السوري أكثر تنظيماً في ما يتعلق بالتعامل مع كارثة الزلزال، بسبب وجود حكومة واحدة، بينما الأمر مختلف في مناطق سيطرة المعارضة في الشمال السوري، حيث توجد حكومتان ومنظمات دولية ومحلية كثيرة، ما يجعل الأمر شائكاً ومتروكاً للجهود الفردية غير المنسقة غالباً.
وقد أعلنت منظمة الدفاع المدني السوري "الخوذ البيضاء" وقوع أضرار في أكثر من 40 مدينة وبلدة وقرية، تدمّر فيها نحو 479 مبنى سكنيا بشكل كامل، وأكثر من 1481 مبنى بشكل جزئي، مع ملاحظة أن الأرقام ليست إحصاء شاملا، إذ إن الدفاع المدني لم يتمكن من الوصول إلى جميع المباني المتضررة.
وأوضح الدفاع المدني أن العدد الأكبر من المباني المدمرة سُجل في مدينة جنديرس، والتي تضم أكثر من 200 مبنى مدمر كلياً ونحو 500 مبنى دمرت بشكل جزئي، وفي مدينة سلقين نحو 50 مبنى دمرت، وأكثر من 300 مبنى تضررت بشكل جزئي، وفي بلدة أرمناز أكثر من 30 مبنى دمرت بشكل كلي ونحو 15 مبنى بشكل جزئي، والعدد الأكبر من المباني المدمرة "طابقية"، وتتألف من أربعة طوابق فأكثر.
كما لحقت أضرار كبيرة بمبان سكنية في سرمدا والأتارب وملس وبسنيا وحارم والدانا. وأكد نائب مدير الدفاع المدني، منير مصطفى، أن الفرق تمكنت من الوصول إلى 90 في المائة من المباني المدمرة من جراء الزلزال في مناطق شمال غربي سورية، غير أن ناشطين يشككون في ذلك.
تضررت أكثر من 40 مدينة وبلدة وقرية في مناطق الشمال السوري
من جهتها، قدرت "وحدة تنسيق الدعم" التابعة للائتلاف السوري المعارض، في بيان، أن الضحايا في شمال غربي سورية بلغوا 3818 وفاة، و7442 إصابة، مع تقديرات تؤكد وجود مئات العالقين تحت الأنقاض، وأن عدد الأبنية المدمرة كلياً بلغ 1715 بناء، والأبنية المدمرة بشكل جزئي 5651 بناء، كما يزيد عدد العائلات المتضررة من الزلزال عن 11 ألف عائلة، وغالبيتها بلا مأوى.
ومع تعدد الجهات العاملة في الشمال السوري، حيث الحكومة المؤقتة التابعة للائتلاف، وحكومة الإنقاذ القريبة من "هيئة تحرير الشام"، ومنظمات كثيرة أبرزها "الخوذ البيضاء"، يظهر التضارب وانعدام تنسيق الجهود.
وقال عضو لجنة الطوارئ في الائتلاف المعارض، عبد المجيد بركات، لـ"العربي الجديد"، "منذ الساعات الأولى للزلزال، تشكلت لجنة طوارئ مكونة من أعضاء في الائتلاف والحكومة المؤقتة والدفاع المدني ووحدة تنسيق الدعم، وعملت اللجنة على مستويين، الأول لتنسيق العمل الإنساني وتأمين فتح المعابر ووصول المساعدات إلى مستحقيها، ورفع الأنقاض.
والمستوى الثاني يتولى العمل على تأمين المساعدات الدولية، وتذليل العقبات أمام وصولها، وتواصلنا مع السلطات التركية لفتح المعابر، وإصلاح الطرق المؤدية إلى معبر باب الهوى، إضافة إلى جهود فتح معبري باب السلامة والراعي، وتم هذا لتجاوز الحجج التي تتكرر لتبرير تقاعس المجتمع الدولي، كما تواصلنا مع العديد من الدول العربية لتقديم المساعدات".
وحول خطط تأمين مساكن بديلة للمنكوبين الذين تهدمت منازلهم، أكد بركات أن "الكارثة تفوق الإمكانيات المتاحة، والمنطقة تعاني أصلاً من أوضاع صعبة على الصعيد الإنساني، وجاء الزلزال ليزيد الطين بلة، ويكشف عورة المجتمع الدولي في تعاطيه مع سكان الشمال السوري. نتعامل حالياً مع الشق الإنساني، والذي يشمل توفير الطعام، ومراكز الإيواء، والعلاج، وسيكون هناك تقييم للأبنية المتصدعة، ودراسة إمكانية تعويض الأهالي الذين تهدمت أو تصدعت منازلهم".
وقدرت "وحدة تنسيق الدعم" أن هناك حاجة إلى 13 ألف خيمة بشكل عاجل لإيواء المتضررين الذين توزعوا على مراكز إيواء صغيرة، فيما لا تزال كثير من العائلات تفترش الحدائق والشوارع، أو لجأت إلى مدارس.
بدوره، يقول علي العبد المجيد، من مركز عمران للدراسات، إن ملف الدعم في الشمال السوري تتولاه منظمات المجتمع المدني والمجالس المحلية بشكل أساسي، فيما يتولى الدفاع المدني الجانبين الإغاثي والطبي، معتبراً أن "دور الحكومة المؤقتة ضعيف بسبب طبيعة العمل على أرض الواقع، وثمة حاجة ماسة إلى تضافر الجهود والتنسيق بين جميع الجهات خلال المرحلة الثانية من التعامل مع تداعيات الزلزال".
في محافظة إدلب، حيث تسيطر "هيئة تحرير الشام"، أعلن أبو محمد الجولاني، أن نحو 20 ألف شخص شاركوا خلال المرحلة الأولى من عمليات الإنقاذ، وهم ينتمون إلى جميع المؤسسات المدنية والأمنية والعسكرية، وأنه تم إنشاء أكثر من 40 مركزاً لإيواء المتضررين.
ووعد الجولاني بأن تتضمن المرحلة الثانية تأمين مساكن بديلة لمن فقدوا منازلهم في الزلزال، مع التأكد من إخلاء المناطق المدمرة والخطرة، وتشكيل لجنة لتقييم حالة المباني المتضررة، كما توعد التجار ومحتكري المواد الأساسية بالمحاسبة، وقال إنه تقرر توزيع مساعدات نقدية عاجلة بقيمة تتجاوز المليون دولار على العائلات المتضررة، والتي دعاها إلى إقامة دعاوى قضائية ضد متعهدي الأبنية والتجمعات السكنية التي انهارت.
بدورها، كشفت وزارة "التنمية" التابعة لحكومة الإنقاذ في بيان، أن المرحلة الثانية من التعامل مع تداعيات الزلزال تتضمن بناء مساكن للعوائل المنكوبة لإخراجها من مراكز الإيواء، والعمل على توثيق أسماء المتضررين، وإزالة الأنقاض للحفاظ على ممتلكات الناس.
أعلن النظام السوري تشكيل صندوق إغاثة بقيمة خمسين مليار ليرة
من جهته، أعلن النظام السوري تشكيل صندوق وطني للإغاثة بقيمة خمسين مليار ليرة سورية (7.5 ملايين دولار) لإغاثة المناطق المتضررة من جراء الزلزال، والتي أعلنت مناطق منكوبة تسري عليها حالة الطوارئ.
وذكرت وسائل إعلام رسمية، أن الحكومة اعتمدت خطة عمل لتنظيم عمليات الإغاثة في محافظات حلب واللاذقية وحماة وطرطوس، وقررت "حصر توزيع المساعدات المقدمة للمناطق المنكوبة في جهة واحدة، وتوزيعها وفق احتياجات كل منها". وتتضمن الخطة "إحصاء أعداد الضحايا والمتضررين، والإسراع في عمليات الكشف الفني على البنية التحتية والأبنية والمدارس، إضافة إلى تكليف كل وزارة بحصر الأضرار ضمن قطاعها".
وأعلن وزير الإدارة المحلية في حكومة النظام، حسين مخلوف، أن عدد من اضطروا إلى ترك منازلهم من جراء الزلزال بلغ أكثر من 293 ألفاً و829 شخصا، وأضاف خلال مؤتمر صحافي، أنه تم إنشاء غرف عمليات في كل المحافظات المتضررة، لتحديد الاحتياجات وتأمينها بالتنسيق مع غرفة العمليات المركزية في دمشق، وافتتاح 180 مركزاً لإيواء المتضررين.
وتحدث مخلوف عن وصول مساعدات من كل من العراق والإمارات وروسيا والجزائر وإيران وليبيا والأردن ومصر والهند وباكستان وأرمينيا وسلطنة عمان وفنزويلا وكوبا وبيلاروسيا. في حين أحصى وزير التربية، دارم طباع، أن عدد المدارس المتضررة بلغ 248 مدرسة.
وقررت حكومة النظام، في وقت سابق، اعتبار المناطق التي ضربها الزلزال منكوبة، ووافقت على إيصال المساعدات الإنسانية إلى جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك الأراضي التي لا تسيطر عليها في الشمال، لكن أيا من هذه المساعدات لم يصل حتى الآن. كما قررت تسهيل دخول التبرعات، وأفراد المبادرات الإغاثية بكل الوسائل، وتفويض الوزراء المعنيين بالتعاطي مع هذه المساعدات عن طريق "اللجنة العليا للإغاثة".
غير أن ناشطين شككوا في جدية هذه القرارات، وأكدوا أن الحكومة لم تقدم أية بدائل حقيقية لمن فقدوا منازلهم نتيجة الزلزال. يقول الصحافي محمد السمان، لـ"العربي الجديد": "أغلب قرارات حكومة النظام مجرد ذر للرماد في العيون، وأثبتت التجارب السابقة أنها لا ترى النور، فحجم الفساد المستشري في مؤسسات النظام كبير".
في السياق، أكد وزير الأشغال العامة والإسكان في حكومة النظام، سهيل عبد اللطيف، أن توفير مساكن بديلة للمتضررين مطروح "لكنه يحتاج إلى وقت". وأضاف في تصريحات لوسائل إعلام رسمية: "في البداية، علينا جمع البيانات عن الأبنية والعائلات، إذ لا توجد أعداد نهائية، وتم تشكيل لجان مختصة لإعداد تقارير مفصلة عن الأضرار".
من جهته، قال مفوض الأمم المتحدة للإغاثة في حالات الطوارئ، مارتن غريفيث: "اقتربنا من نهاية مرحلة الإنقاذ، وبعدها تأتي مرحلة التعافي وبداية الإعمار، والتخطيط للمنازل والمباني المراد إعادة بنائها. مرحلة التعافي ستركز بشكل أساسي على تقديم المساعدات الإنسانية، فالناجون بحاجة إلى المساعدة، والحصول على الغذاء والدواء".
(العربي الجديد)