كشف وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو، الخميس، عن أنه أجرى محادثة قصيرة مع وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، على هامش اجتماع حركة عدم الانحياز الذي عقد في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بالعاصمة الصربية بلغراد، في أول تصريح رسمي تركي عن وجود اتصالات "سياسية" مع النظام السوري لأول مرة منذ انطلاق الثورة السورية قبيل 11 عاماً، وسط تكهنات عن إمكانية حصول اتصالات سياسية أوسع بين أنقرة ودمشق قريباً.
ورداً على سؤال حول وجود اتصالات سياسية بين أنقرة ودمشق، نفى الوزير التركي وجود اتصالات من هذا القبيل، لكنه كشف في الوقت ذاته عن حصول "محادثات عالواقف" مع وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد قبيل عدة أشهر على هامش اجتماع دولي في صربيا.
وقال الوزير التركي: "لا يوجد اتصالات سياسية في الوقت الحالي، لقد أجابنا رئيسنا (أردوغان) على ذلك بالفعل"، كاشفاً عن أن المسؤولين الروس ومنهم الرئيس فلاديمير بوتين عرضوا مراراً على تركيا الاتصال مع نظام الأسد وترتيب اتصال أو لقاء بين الرئيس رجب طيب أردوغان ورئيس النظام السوري، نافياً إمكانية حصول ذلك.
وشدد على ضرورة وجوب تحقيق مصالحة بين المعارضة والنظام في سوريا بطريقة ما، مبينا أنه لن يكون هناك سلام دائم دون تحقيق ذلك، مضيفاً: "يجب أن تكون هناك إرادة قوية لمنع انقسام سوريا، والإرادة التي يمكنها السيطرة على كل أراضي البلاد لا تقوم إلا من خلال وحدة الصف".
وأضاف أن التواصل بين تركيا والنظام السوري يقتصر على مستوى أجهزة الاستخبارات، مؤكداً أن "تركيا تواصل اتخاذ موقفها المبدئي تجاه الأزمة السورية"، وتابع قائلاً: "منذ البداية ندعو إلى حل سياسي ينهي الأزمة السورية، نحن نحترم وحدة الأراضي السورية ونصر على تطهير أراضي هذا البلد كافة من الإرهابيين".
وبداية الشهر الجاري، ولأول مرة منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، تحدث مسؤول تركي رفيع عن إمكانية "التعاون السياسي" مع النظام السوري، وهو ما فتح الباب واسعاً أمام عدد كبير من الأسئلة الصعبة المتعلقة بمدى التحول الذي طرأ على السياسة التركية تجاه دمشق، وما إن كان ذلك مقدمة لإعادة تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، وذلك في ظل الحملة الدبلوماسية التركية الجديدة التي تضمنت إعادة تطبيع العلاقات مع الكثير من الدول بالمنطقة ومنها إسرائيل والإمارات والسعودية وأرمينيا وغيرها.
ففي لقاء تلفزيوني، قال وزير الخارجية التركي مولود جاوش اوغلو إن بلاده مستعدة لتقديم "كافة أنواع الدعم السياسي" للنظام السوري فيما يتعلق بـ"إخراج الإرهابيين من المنطقة"، وذلك في إطار الحديث عن إنهاء تواجد الوحدات الكردية في مناطق شمالي سوريا وسيطرة قوات النظام السوري عليها.
وفي السياق العام لتصريحات جاوش أوغلو التي أدلى بها لتلفزيون "تي في 100" التركي، قال تعقيباً على التهديدات التركية بالقيام بعملية عسكرية شمالي سوريا: "الولايات المتحدة وروسيا لم تفيا بوعودهما بإخراج الإرهابيين من المنطقة، وهذا يدل على عدم إخلاصهما في محاربة الإرهاب"، لافتاً إلى أن بلاده أجرت سابقا محادثات مع إيران بخصوص "إخراج الإرهابيين من المنطقة ومستعدة أيضاً لتقديم كل أنواع الدعم السياسي لعمل النظام (السوري) في هذا الصدد".
وأضاف الوزير: "من الحق الطبيعي للنظام (السوري) أن يزيل التنظيم الإرهابي من أراضيه، لكن ليس من الصواب أن يرى المعارضة المعتدلة إرهابيين|، مشدداً على أن العمليات العسكرية التركية "تدعم وحدة الأراضي السورية" وستكون مهمة من ناحية السيادة ووحدة الأراضي السورية.
عقب أشهر من اندلاع الثورة السورية، قطعت تركيا علاقاتها مع النظام السوري واعتبرت أكبر الدول دعماً للمعارضة السورية ولم تجر أي اتصالات سياسية بين أنقرة ودمشق منذ 11 عاماً
وعقب أشهر من اندلاع الثورة السورية، قطعت تركيا علاقاتها مع النظام السوري واعتبرت أكبر الدول دعماً للمعارضة السورية ولم تجر أي اتصالات سياسية بين أنقرة ودمشق منذ 11 عاماً، إذ وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رئيس النظام السوري بشار الأسد بـ"القاتل والإرهابي والجزار".
وفي السنوات الماضية، تحدث أكثر من مسؤول تركي رفيع عن وجود "اتصالات على مستوى الاستخبارات" مع النظام السوري، وهو ما برر مراراً بأنها اتصالات أمنية محدودة تبقي عليها كافة الدول فيما بينها مهما وصلت إليها الخلافات لتجنب وقوع أحداث غير مرغوب فيها ومن أجل مناقشة "ملفات قومية" بعيداً عن الخلافات السياسية وحتى العسكرية، فيما بقي المسؤولون الأتراك ينفون بشكل قطعي أي تغير في التوجهات السياسية نحو النظام السوري.
وما زاد من أهمية تصريحات أوغلو هو توقيتها الذي يأتي عقب أقل من شهر على قمة طهران، التي جمعت زعماء إيران وروسيا وتركيا تحت مظلة "ثلاثي أستانة"، والتي بحثت الملفات المتعلقة بالأزمة في سوريا وعلى رأسها خريطة الانتشار العسكري ومستقبل الحل السياسي وحل أزمة اللاجئين، إلى جانب بحث العملية العسكرية التي تهدد تركيا بتنفيذها ضد الوحدات الكردية في شمالي سوريا.
كما أن هذه التصريحات تأتي عقب زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى أنقرة ودمشق والتي أطلق منهما رسائل سياسية غير معتادة، معطياً إشارات على وساطة إيرانية ما يجري بحثها ما بين أنقرة ودمشق، وهو ما فتح الباب واسعاً أمام التساؤلات حول ما إن كانت طهران تحاول التوسط لتجنب العملية العسكرية التركية المتوقعة شمالي سوريا، أم أنها تلعب دور الوسيط لإعادة تطبيع العلاقات السياسية بين تركيا والنظام السوري.
كما ربط آخرون بين تصريحات جاوش أوغلو وعرض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على هامش قمة طهران أن تشمل اجتماعات أستانة المقبلة في موسكو حضور ممثلين عن النظام والمعارضة السورية، وهو ما فتح الباب أمام تكهنات وتساؤلات عن مدى إمكانية مشاركة ممثلين رفيعي المستوى عن النظام السوري في قمة أستانة المقبلة.
(القدس العربي)