فاجأت الغرب وأنقذ بلاده مرتين.. من هو "عبد القدير خان" أبو القنبلة النووية الباكستانية؟

[ عبد القدير خان ]

"لكي تبقى أمتنا دولة مستقلة عليها البدء ببرنامج نووي" كانت هذه الكلمات التي كتبها العالم الباكستاني النووي الراحل عبد القدير خان هي رصاصة البداية لبرنامج بلاده النووي الذي تحول بالفعل إلى أداة ردع في مواجهة الهند التي تفوقها سكاناً عدة مرات.
 
وجاءت وفاة العالم النووي عبد القدير خان اليوم الأحد 10 أكتوبر/تشرين الأول 2021، لتلقي الضوء على التأثير المذهل لهذا العالم، والذي صنع القنبلة النووية الباكستانية في زمن قياسي أذهل الغرب، وليقدم نموذجاً لكيف يمكن لعالم واحد أن يغير التاريخ ويتغلب على لعنات الجغرافيا، عبر منح بلده قدرات ردع في مواجهة عدو يفوقها سكاناً نحو ست مرات.
 

عبد القدير خان بطل قومي في باكستان وعدو للغرب

واعتبر خان بطلاً قومياً في البلاد لأنه جعل من باكستان أول بلد مسلم يمتلك القنبلة النووية؛ ما ساهم في تعزيز نفوذها في مواجهة الهند، العدو اللدود المسلح نووياً، بينما ينظر الغرب إلى عبد القدير خان على أنه كان مسؤولاً عن تهريب تكنولوجيا إلى إيران وكوريا الشمالية وليبيا.
 
وكان خان، الذي تُوفي اليوم الأحد عقب إصابته بفيروس كورونا المستجد، محور اهتمام على الصعيدين الداخلي والخارجي، حتى بعد مرور 17 عاماً على أكبر ضجة أحدثها حين أقرّ عام 2004 في بثّ تلفزيوني مباشر ببيع أسرار نووية لإيران وكوريا الشمالية وليبيا، قبل العدول عن تلك التصريحات.
 
وكتب رئيس الوزراء عمران خان على تويتر: "أشعر بحزن شديد لوفاة الدكتور عبد القدير خان"، مشيراً إلى أن العالم كان محبوباً في باكستان بسبب "مساهمته الحيوية في تحويلنا إلى دولة نووية". وأضاف: "بالنسبة لشعب باكستان، كان رمزاً وطنياً".
 
ووصف زعيم المعارضة شهباز شريف وفاته بأنها "خسارة فادحة للوطن" مغرداً: "فقدت الأمة اليوم خيّراً حقيقياً خدم الوطن بالقلب والروح".
 
وقال رئيس الوزراء إن العالم سيدفن في مسجد الملك فيصل في إسلام أباد بناء على طلبه.
 
وأعلن وزير الداخلية شيخ رشيد أحمد للصحافيين أن العالِم سيُدفن "بمراسم الشرف الكاملة"، إذ سيحضر جميع وزراء الحكومة وكبار المسؤولين في القوات المسلحة مراسم جنازته، التي ستكون مفتوحة للجمهور.
 
 واكتسب خان مكانته كبطل قومي في مايو/أيار 1998 عندما أصبحت جمهورية باكستان الإسلامية رسمياً قوة عسكرية ذرية؛ وذلك بفضل اختبارات أجريت بعد أيام قليلة من الاختبارات التي أجرتها الهند.
 
وهو يُلقّب داخل باكستان بـ"أبي القنبلة الذرية الإسلامية"، حيث يعد من المؤسسين الأوائل للبرنامج النووي لبلاده، بل إنه العقل المدبّر للبرنامج الذي أطلقه بمساعدة رئيس الوزراء الباكستاني آنذاك ذو الفقار علي بوتو.
 
وترك خان بصمة واضحة في برنامج التسلح النووي الباكستاني منذ سبعينيات القرن الماضي بعد قيام الجارة الهند بتنفيذ أول تجربة نووية.
 

الطريق إلى القنبلة النووية الباكستانية بدأ برسالة

في عام 1965، قال الرئيس الباكستاني الراحل ذو الفقار علي بوتو: "إذا صنعت الهند القنبلة (النووية)، فسوف نأكل العشب أو الأوراق، بل سنجوع، لكننا سنحصل على قنبلتنا".
 
وأخذ العالم النووي الباكستاني عبد القدير خان على عاتقه مهمة بناء برنامج نووي لبلاده، يمنحها القدرة على "منافسة" خصومها، واكتساب قدرات نووية في المنطقة. وفي هذا الإطار، خاض خان مراحل تعليمية وعملية مختلفة خارج باكستان، للوصول إلى تلك المرحلة.
 
وتُوضح مسيرة خان، المولود في مدينة بوبال الهندية عام 1936، المسار الذي سلكه قبل التفرّغ نهائياً لتأسيس برنامج نووي لباكستان.
 
سافر خان في ستينيات القرن الماضي إلى ألمانيا لاستكمال دراسته في جامعة برلين التقنية، وأكمل دورة تدريبية في علوم المعادن. كما نال درجة الماجستير عام 1967 من جامعة دلفت للتكنولوجيا في هولندا.
 
وحاول خان العودة مرة أخرى إلى باكستان في تلك الفترة للحصول على وظيفة في مصانع حديد كراتشي، لكن طلبه قوبل بالرفض بسبب "قلة خبرته العملية". ولاحقاً، أكمل دراسته، وحصل على درجة الدكتوراه من جامعة لوفين البلجيكية عام 1972.
 

العالم الباكستاني النووي الراحل عبد القدير خان
 
واستفاد خان من عمله في شركة "FDO" الهندسية الهولندية، لاكتساب المهارات والمعلومات حول الأسس لبناء برنامج نووي. وكانت شركة "FDO" على صلة وثيقة بمنظمة اليورنكو، وهي منظمة بحثية أوروبية مهتمة بتخصيب اليورانيوم من خلال نظام آلات النابذة (التفاصيل المستخدمة في تلك الآلات النابذة تعتبر سرية لأنها قد تستخدم في تطوير القنبلة النووية)، حسبما ورد في تقرير لموقع "العربي".
 
وقال الصحافي البريطاني سايمون كوبر، في تحقيق نشرته صحيفة "فاينانشال تايمز" عام 2020: إن خان عمل في الشركة الهولندية، التي كانت تصمّم أجهزة طرد مركزي فائقة لتخصيب اليورانيوم، لكنها لم تنتج قنابل ذرية في ذلك الوقت.
 
وشكّل عمل خان في هذه الشركة وتجربته في التعامل بنجاح مع نظام الآلات النابذة، الأساس الذي بنى عليه لاحقاً برنامج باكستان النووي.
 
بعد التجربة النووية للهند عام 1974، اعتبر خان أن بلاده تحتاج إلى برنامج نووي خاص بها. فكتب رسالة إلى رئيس الوزراء الباكستاني آنذاك ذو الفقار علي بوتو قائلًا: "حتى تبقى باكستان دولة مستقلّة، فإن عليها إنشاء برنامج نووي".
 
وكانت رسالة خان بمثابة الانطلاقة العملية لتأسيس برنامج باكستان النووي، بخاصّة بعدما دعاه رئيس الوزراء عام 1975 للعودة إلى باكستان لإدارة برنامجها النووي. وفي العام التالي، غادر خان هولندا عائداً إلى بلاده.
 

هكذا صَنَع القنبلة في زمن قياسي

وتمكّنت باكستان، بفضل البحوث التي أشرف عليها عبد القدير خان، من تحقيق نقلة نوعية على صعيد بناء ترسانة من الأسلحة المتطوّرة، وبرنامج نووي ذي كفاءة عالية.
 
واستغرق بناء مفاعل كاهوتا النووي ستة أعوام. وعام 1974، أطلقت مفوضية الطاقة الذرية الباكستانية برنامج تخصيب اليورانيوم. وبعد عامين، انضم خان إلى تلك المفوضية، لكنه لم يتمكّن من إنجاز أي شيء. وفي يوليو/تموز من العام ذاته، أسس خان معامل هندسية للبحوث في مدينة كاهوتا، والتي سُمّيت لاحقاً بمعامل خان البحثية، تيمناً به.
 
وامتدّت أنشطة معامل خان البحثية لتشمل برامج دفاعية مختلفة منها تصنيع صواريخ، وأجهزة عسكرية أخرى كثيرة، وأنشطة صناعية، وبرامج وبحوث تنمية.
 
وفي سبتمبر 1986، تمكنت باكستان من القيام بأول تفجير نووي تحت سطح الأرض، وفق صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، في خطوة تمثل أبرز إنجاز عسكري حققته باكستان في تاريخها، وما زالت إلى اليوم هي الدولة الإسلامية الوحيدة التي بلغت مرحلة إنتاج القنبلة النووية.
 
وتشير مصادر غربية إلى أن العمل الذي أنجزه خان في 6 أعوام في البرنامج النووي لبلاده يستغرق في العادة عقدين من الزمان في الدول الغربية ذات التقاليد الراسخة في مجال الصناعة النووية، وقد ساعده كتمانه الشديد على نجاح مشروع إنشاء القنبلة النووية الباكستانية، كما ساعدته علاقاته بالشركات الغربية ذات الصلة بميدان التخصيب وبناء آلات الطرد المركزي على أن يشتري ما يعينه على بناء مختبراته وعلى تطوير بحوثه.
 

من بطل قومي إلى طريد المجتمع الدولي

وكانت التجارب النووية لباكستان عام 1998، بمثابة تأشيرة دخول إسلام أباد إلى النادي النووي. واحتفت باكستان ببطلها النووي في تلك الفترة بشكل غير مسبوق.
 
ولكن بعد أن تمكّنت إسلام أباد من صناعة القنبلة النووية، أثار الكشف عن برنامجها النووي ردود فعل غربية؛ حيث مُورست ضغوط على الحكومة الباكستانية، ورُفعت دعوى قضائية في هولندا ضدّ خان بتهمة سرقة وثائق نووية سرية، قبل أن تُسقط محكمة أمستردام العليا التهم.
 
وبدأت الدول الغربية تفرض ضغوطاً هائلة اقتصادية وسياسية على باكستان؛ ففرضت واشنطن عقوبات اقتصادية عليها، كما رفعت قضية على عبد القدير خان بداية الثمانينيات في هولندا تتهمه بسرقة وثائق نووية سرية، وهو أمر نفاه خان وفنّدته حكومة إسلام آباد مراراً، وقد أسقطت التهمة محكمة أمستردام العليا بعد ذلك.
 

العالم الباكستاني النووي الراحل عبد القدير خان
 
بدأت المتاعب تلاحق أبا القنبلة النووية منذ عام 2003، حين استُجوِب هو وبعض علماء الذرة الباكستانيين في ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه، من جانب الأمن الباكستاني بشأن احتمال وجود علاقة بين البرنامجين النوويين في باكستان وإيران، وتسريب أسرار نووية إلى دول مثل ليبيا وكوريا الشمالية.
 
مع الضغوط الخارجية ومطالبة الولايات المتحدة باستجوابه، واستمرار التحقيق بشأن الاتهامات الموجهة له، ظهر العالم النووي الباكستاني عبد القدير خان في 4 فبراير/شباط 2004 على شاشات التلفزيون ليعترف بتسريب أسرار نووية إلى دول أخرى، نافياً أي مسؤولية عن حكومة بلاده.
 
ووضعت باكستان عبد القدير خان قيد الإقامة الجبرية، في عام 2004، بناءً على طلب من الولايات المتحدة، وكان يتمّ فحص أي زائر لمنزله سلفاً.
 
وتم الإفراج عنه في عام 2009، بعدما قضت محكمة بإنهاء وضعه رهن الإقامة المراقبة ومنحه بعض الحرية في التنقل داخل العاصمة لكن تحت حراسة شديدة من السلطات التي كان مجبراً على إبلاغها بكل تحركاته.
 

كيف أنقذ باكستان مرتين؟

وفي مقابلة مع وكالة فرانس برس عام 2008، قال خان: "أنقذت البلاد لأول مرة عندما جعلت باكستان دولة نووية وأنقذتها مجدداً عندما اعترفت (بالذنب) وتحملت كل اللوم".
 
وأثارت قضية "بيعه أسراراً نووية" غضب الجيش أثناء حكم الرئيس السابق برويز مشرف. ولطالما وجّه خان رسائل للسلطات الباكستانية يحثّهم فيها على رفع الإجراءات الأمنية التي فرضتها عليه.
 
وقالت وزارة الخارجية الأمريكية، في عام 2009، إن خان كان يدير "شبكة دولية واسعة النطاق لنشر المعدات والمعرفة النووية التي وفرت محطة تسوق للدول التي تسعى إلى تطوير أسلحة نووية". ووصفت وزارة الخارجية الأمريكية أعمال هذه الشبكة بأنها "غيرت بشكل لا رجعة فيه مشهد انتشار الأسلحة النووية، وكانت لها آثار دائمة على الأمن الدولي".
 

150 بحثاً علمياً في مجلات عالمية

وقد أعلن مجلس الوزراء الباكستاني لاحقاً العفو عن خان في ظل التضامن الشعبي الكبير معه باعتباره بطلاً قومياً.
 
ونشر خان نحو 150 بحثاً علمياً في مجلات علمية عالمية، كما نشر في عام 1981 كتاب "القنبلة الإسلامية" بالإنجليزية.
 
وفي أغسطس/آب الماضي، أُدخل خان إلى المستشفى بعدما ثبتت إصابته بفيروس كورونا المستجد، ثم أعيد إلى المنزل قبل أن تتدهور حالته الصحية ويتوفّى صباح الأحد.
 
واليوم بينما يشير تقرير صادر عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام عام 2018 إلى أن باكستان تمتلك 140-150 رأساً نووياً مقارنة بعدد الرؤوس الحربية الهندية البالغ 130-140.



المصدر: عربي بوست

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر