تسببت دراسة شارك فيها متخصصون بجامعات عالمية ومتخصصون مصريون -منهم وزير الموارد المائية والري محمد عبد العاطي- في حالة غليان بالإعلام المصري، خاصة أنها تحدثت عن وجود هبوط أرضي بموقع سد النهضة الإثيوبي، وعدد من العوامل الأخرى التي تهدد بانهيار السد.
وحللت الدراسة 109 صور ومشاهد، في الفترة من ديسمبر/كانون الأول 2016 إلى يوليو/تموز 2021، باستخدام تقنية الأشعة الرادارية، لتخلص إلى وجود شواهد على عوامل إزاحة وتحرك مختلفة الاتجاهات في أقسام مختلفة من السد الخرساني "الرئيسي" وكذلك السد الركامي "المساعد" مما ينذر بانهيار السد وما يتبع ذلك من تأثير مدمر على دولتي المصب.
وطبقا للدراسة التي أعدها فريق يضم وزير الري محمد عبد العاطي، والدكتور عمرو فوزي بقطاع حماية النيل في وزارة الري، والدكتور هشام العسكري أستاذ الاستشعار عن بعد وعلوم نظم الأرض بجامعة تشامبان الأميركية، إضافة إلى 4 باحثين بجامعات وهيئات دولية، فإن تحليل البيانات في موقع السد، يكشف عن وجود هبوط غير متناسق في أطراف السد الرئيسي، خاصة الجانب الغربي حيث سجل حالات نزوح متفاوتة يتراوح مداها بين 10 و90 مليمترا في أعلى السد.
كما أوضحت الدراسة أن ملء السد كان يجري بشكل سريع ومن دون تحليل بيانات، وهو ما يؤثر على جسم السد فنيا، ويؤثر هيدرولوجيا على حوض النيل الأزرق، كما كشفت أن هناك إزاحة رأسية غير متساوية في قطاعات مختلفة من السدَّين الرئيسي والمساعد.
اهتمام إعلامي (فقط)
واهتم عدد من مشاهير الإعلام المصري بالتعليق على الدراسة، وفي مقدمتهم الثلاثي الأكثر قربا من النظام المصري، عمرو أديب وأحمد موسى ونشأت الديهي، وحذروا من خطورتها، وشددوا على أهمية الوصول للمعلومات الكاملة عن السد، من أجل حماية مصر والسودان من أي تهديد.
كما ندد الثلاثي بتعنت الجانب الإثيوبي، وتعمده إخفاء المعلومات، حسب وصفهم. وأكدوا أن الحل الوحيد لهذه الأزمة هو التوصل إلى اتفاق نهائي ملزم حول سد النهضة يسمح بحصول مصر والسودان على المعلومات الكافية، والمشاركة في إدارة السد.
ورغم الاهتمام الإعلامي واشتراك وزير الري المصري في إعداد الدراسة، فإن القاهرة لم يصدر عنها أي بيان أو تصريح رسمي عن الدراسة حتى الآن، سواء من الحكومة أو من وزارة الري أو غيرهما من المؤسسات المعنية.
قنبلة مائية
"قنبلة مائية".. بهذا الوصف استهل وزير الري المصري الأسبق، محمد نصر علام، تعليقه على الدراسة عبر موقع "مصراوي" الإخباري، مؤكدا أن سد النهضة له مخاطر بيئية ويعاني مشكلات فنية، حتى قبل إعلان الدراسة الجديدة، وأن تقرير اللجنة الدولية والمكاتب الاستشارية خلصت إلى وجود أضرار جسيمة للسد، وأن إثيوبيا رفضت هذه التقارير، وشرعت في العمل من دون إبلاغ الأطراف الأخرى.
وأشار علام في تصريحاته، إلى عدة مخاطر على مصر والسودان، من أهمها أن إنتاج السد طاقة كهربائية تفوق استخدامات إثيوبيا، مما يعني أن إثيوبيا إذا توقفت عن توليد الكهرباء فستضطر إلى إغلاق فتحات تصريف المياه في السد وبالتالي ستقل كميات المياه المنسابة إلى مصر والسودان ما يصيبهما بشح مائي.
ولفت وزير الري الأسبق إلى أن سلامة السد يجب التأكد منها قبل الملء والتشغيل، لأن المشروع يهدد نحو 150 مليون مواطن مصري وسوادني.
طوفان وخراب على السودان
من جانبه، قال أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، عباس شراقي، إن انهيار سد النهضة سيكون بمثابة "خراب على السودان وفناء للملايين"، مؤكدا أنه لو حدث انهيار سد النهضة، فإنه سيتسبب في طوفان على السودان وفناء 20 مليون نسمة يعيشون على ضفاف النيل الأزرق.
وأوضح شراقي في مداخلة هاتفية مع برنامج "الحكاية" -المذاع على فضائية "إم بي سي مصر" (مصر MBC) المملوكة للسعودية- أن تأثير انهيار سد النهضة على مصر يتوقف على مخزون السد العالي، فلو كانت بحيرة السد العالي مملوءة ستكون هناك مشكلة كبيرة لأن مفيض توشكى بالإضافة إلى بوابات السد العالي لن تستطيع تصريف المياه، أما إذا كانت البحيرة منخفضة فإنها قد تستوعب المياه القادمة من إثيوبيا.
وأكد أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية أن أرض السد منطقة زلازل وفوالق طبيعية، وكلما زاد حجم المياه زادت الفوالق، موضحًا أن إثيوبيا من أكثر البلاد الأفريقية نشاطا في الزلازل والبراكين.
دراسة علمية وليست سياسية
أستاذ الاستشعار عن بعد وعلوم نظم الأرض بجامعة تشابمان بالولايات المتحدة الأميركية، هشام العسكري، قال إن الدراسة التي شارك في إعدادها على مدار 8 أشهر بشأن سد النهضة اعتمدت على أشعة رادارية وصور للأقمار الصناعية الأوروبية التي ترصد أي تحرك في القشرة الأرضية للسد رأسيًا وأفقيًا.
وأضاف العسكري -خلال حواره مع برنامج "بالورقة والقلم" المذاع على فضائية "TEN"- أمس السبت، أن الدراسة ما زالت في طور التحكيم الدولي منذ 3 أشهر، واللجنة التحكيمية أرسلت تؤكد أن الدراسة مثيرة للجدل والمادة العلمية بها عالية جدًا، على حد قوله.
وذكر أستاذ الاستشعار عن بعد أن الدراسة علمية وليست سياسية، وتذهب إلى وجود تهديد مستقبلي باحتمالية انهيار السد، وتظهر خطرا داهما بشكل علمي قوي وتدق ناقوس الخطر بشأن تهديد كبير يواجه السودانيين، ونطالب المجتمع الدولي بالتحقق من صحة ما نقول.
لم نقف مكتوفي الأيدي
عمرو فوزي، أحد المشاركين في دراسة السد الإثيوبي، قال إنه تم تقديم طلب لإثيوبيا لتزويد الفريق البحثي المصري بمعلومات وصور عن سد النهضة، ولكن أديس أبابا رفضت، فلم نقف مكتوفي الأيدي أمام التعنت الإثيوبي، وقررنا إجراء الدراسة من دون انتظار المعلومات الإثيوبية.
وأوضح فوزي -خلال مداخلة هاتفية مع برنامج "على مسئوليتي"، المذاع على فضائية صدى البلد- أن السد المساعد، الذي لم تصل إليه المياه بعد، به هبوطات كثيرة رغم أنه مكون من كتل خرسانية، وأن انهيار سد النهضة سيكون له تأثير تدميري على أرض السودان حتى الخرطوم، بسبب الانحدار الكبير في الأرض.
وتتبادل مصر والسودان مع إثيوبيا اتهامات بالمسؤولية عن تعثر المفاوضات بشأن السد التي يرعاها الاتحاد الأفريقي منذ شهور، ضمن مسار تفاوضي بدأ قبل نحو 10 سنوات، بسبب خلافات حول ملء وتشغيل السد.
وتقول أديس أبابا إنها لا تستهدف الإضرار بمصالح دولتي مصب نهر النيل، مصر والسودان، بل تهدف فقط إلى توليد الكهرباء من السد لأغراض التنمية، في حين تدعو القاهرة والخرطوم إلى إبرام اتفاق ثلاثي ملزم قانونا، للحفاظ على منشآتهما المائية، واستمرار تدفق حصتيهما السنوية من مياه النيل.
المصدر: الجزيرة + الإعلام المصري