أثارت مشاهد مروعة، بالدلائل المرئية، لعمليات حرق جماعية لجثامين معتقلين بمادة البنزين، ودفنهم في مقابر على أطراف العاصمة دمشق جنوب سوريا، صدمة وحالة من الغضب الواسع لدى السوريين ورواد وسائل التواصل الاجتماعي الذين نددوا بالصمت الدولي حيال مجازر النظام السوري وقواته.
وأظهرت المقاطع الموثقة بالصوت والصورة، والتي نشرتها صحيفة «زمان الوصل» المعارضة، عمليات حرق نفذتها عناصر المخابرات العسكرية والجوية في منطقة صحراوية تابعة لمحافظة درعا جنوب سوريا، جرت بين عامي 2011 -2013 وسط أجواء احتفالية، كأول دليل مرئي – لا يمكن دحضه – على محارق الأسد ونظام الحكم السوري، الذي ما فتئ مستمراً في إنكار هذا النوع من الجرائم بحق معتقليه.
مشاهد قاسية، وصفها معارضون سوريون بأنها الأكثر وحشية في حرب الإبادة التي تمارس على الشعب السوري لما رافقها من أجواء فرح وبهجة أثناء عمليات حرق الجثث الذي بدا عليها الدماء وآثار التعذيب.
المحامي الناشط في مجال حقوق الإنسان وعضو «لجنة الدفاع عن معتقلي الرأي والضمير» ميشال شماس اعتبر المشاهد المرئية خطوة مهمة توثق بالصوت والصورة محارق الأسد. وكتب شماس عبر صفحته الشخصية عبر موقع فيسبوك «خطوة مهمة توثق بالصوت والصورة محارق الأسد لجثث سوريين قضوا تحت التعذيب أو تم إعدامهم من قبل محاكم الميدان العسكرية ويكشف تفاصيل عن موقعها وعملها والقائمين عليها».
وقال رئيس «المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية المحامي أنور البني إن المقاطع المصورة التي نشرتها «زمان الوصل» يمكن اعتبارها إلى جانب صور «قيصر» من أهم وثائق ارتكاب الأسد جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، علماً أن الفترة الزمنية للحدثين هي نفسها بين عامي 2011 و2013.
وقال في تصريحات صحافية إن ما نشر من مقاطع فيديو يؤكد ما ذكرته كل التقارير الحقوقية من آلات التعذيب والقتل الأسدية، وأن الفيديو هو وسيلة إثبات لا يمكن نكرانها كما هي الشهادات أو التقارير. وأضاف أنه قد تم التعرف بالفعل على أسماء ورتب بعض من ظهر منهم في الفيديو. كما كشف أن تلك الفيديوهات «تشكل دليل إثبات قاطع على ارتكاب جرائم ضد الإنسانية ممنهجة ومنظمة واسعة النطاق، وهذا يستخدم وتم استخدامه الآن كدليل في الملفات التي تقدمنا بها أمام المدعي العام في ألمانيا والسويد والنرويج».
ووفقاً لمعلومات المصادر فقد «كان يتم نقل جثامين المعتقلين، ممن قضوا تحت التعذيب أو جراء محاكمات ميدانية، في شاحنات متوسطة الحجم ومكشوفة برفقة عربات أمنية إلى موقع شبه صحراوي منعزل بالقرب من بلدة «المسمية» الواقعة في الريف الشمالي الغربي لمدينة درعا، وكانت تغطى الجثامين بأغصان الأشجار أثناء نقلها».
وانتظمت مجموعات معينة ذات ولاء مطلق بخلفية طائفية، من «المخابرات الجوية والعسكرية» بجولة دورية على فروع المخابرات المحيطة بمنطقة المحارق، وعلى الحواجز والقطعات العسكرية، لـتجمع ما لديهم من جثامين، كي يتم رميها لاحقًا في حفر أعدت مسبقًا، ومن ثم حرقها بعد سكب الوقود على كل جثمان، كما تظهر مقاطع الفيديو، وكان الجيش النظامي يؤمن لهم الدعم «اللوجستي» مما يشير إلى أنها عملية منظمة متكررة.
وعرف هوية اثنين من أبرز المشاركين في جريمة المحارق، وهما الرائد «ف.ق» والتابع للأمن العسكري، والمساعد «م.إ». كما توثق مقاطع الفيديو قيام عناصر الأمن بالتنكيل بجثامين المعتقلين حيث كان يتم الدوس عليها وشتم أصحابها، ووصفهم بأن هذا «حمصي» وذاك «حموي»..!
ويوثق أحد المقاطع كيف يتولى بعض عسكريي النظام إنزال الجثامين من الشاحنة واحدة تلو الأخرى، وسكب قليل من الوقود عليها، ثم ركلها ودحرجتها إلى الحفرة، لتتكدس فوق بعضها، مشيعة باللعنات والشتائم.
ووسط هذا المشهد، يطل أحد الضباط ليشرف بنفسه على المحرقة، حيث توقد النار في الجثامين، ويتحلق المكلفون بالمهمة حول الحفرة وكأنهم متحلقون حول «حفلة شواء» فإذا ما أحسوا بأن النار لا تواصل اشتعالها كما ينبغي، رموا بقليل من الوقود على الجثامين لتستعر من جديد. وحسب مصدر «زمان الوصل» فكان يحرق يوميًا 100 جثمان، تشمل مدنيين اعتلقوا أثناء المداهمات، وجثامين لمعتقلين بالأفرع الأمنية بالإضافة لأخرى من المنشقين كانوا معتقلين في سجن سري بمطار دمشق الدولي، منوهاً إلى أن بين الجثامين نساء وصبية، مشدداً أن المحارق استمرت سنوات.
وواجه الشريط المصور الذي يظهر المشاهد المروعة لحرق الجثامين، موجة من الردود الغاضبة، حيث عقب أمين سر اللجنة السورية للمعتقلين والمعتقلات مروان العش على المقطع قائلاً «صادم ومؤلم، ولكنه حقيقة، شاهد كيف يرقص هؤلاء القتلة ويصيحون منتشين بالقتل والحرق للسوريين».
كما كتب فراس رحال قائلًا «عام 2011 كنت نازل بسيارتي من طريق التل لمساكن برزة كان الوقت يوم جمعة وعند العصر تقريبًا وفي معي كان بالطريق سيارة شحن صغيرة وأكبر من السوزوكي ومشدرة ونحنا ماشين عند كوع يلي بعد معربا من جهة برزة بلاحظ قدامي انو في شي وقع من السيارة وهي عم تكوع تماماً بطلع واذ بجثة محروقة والشباب ظلوا مكملين وأنا كمان ظليت مكمل».
وتساءل عصام حاج علي «ما هو مفهوم الإرهاب لدى الغرب ولدى بشار الأسد الذي تشدق به ليبرر قتل وحرق الشعب السوري… ماذا تسمون من يقتل بالطائرات والبراميل والكيماوي، ويعذب الأبرياء الأحياء حتى الموت ويدفنهم بمحارق جماعية، إلى متى هذا التعامي والصمت الدولي إزاء أرواحنا». كما كتب شاهر الخليل «مجرمون قتلة، ومن سمح بالحرق، نفسه هو من سمح بالقصف.. لا عجب».
المصدر: القدس العربي