ما زالت المعلومات شحيحة بشأن طبيعة الانفجار الذي وقع قرب مفاعل ديمونة النووي الإسرائيلي، وذلك بعد أيام قليلة على هجوم استهدف مفاعل نطنز النووي في إيران، التي سبق أن توعدت بالانتقام.
يثير هذا التصعيد المتبادل بين إيران وإسرائيل جملة من التساؤلات حول رمزية استهداف مفاعل ديمونة، وإلى أين يمكن أن تصل الرسائل المتبادلة بين الجانبين؟
ما حقيقة الانفجار؟
بعد مرور قرابة 20 ساعة على انفجار ديمونة، وتضارب الروايات الإيرانية والإسرائيلية حوله، ترجح معلومات إسرائيلية أن الانفجار ناجم عن صاروخ أرض-جو من طراز "إس إيه 5" (SA 5) أطلق من داخل سوريا، واتجه لمفاعل ديمونة، لكنه سقط بمنطقة التجمعات البدوية بصحراء النقب.
وتحدثت محافل عسكرية إسرائيلية عن أن الصاروخ مضاد للطائرات ومداه يتجاوز مئات الكيلومترات، ولديه رأس حربي يزيد وزنه عن مئتي كيلوغرام، ومخصص لاستهداف طائرات على مسافة 40 ألف قدم، ويمتلك محركا نشطا للغاية، وأحيانا يتجاوز المدى الذي حدده مشغلو البطاريات.
من جانبها، تحدثت أوساط إيرانية عن أن الصاروخ أرض-أرض، وليس أرض-جو، من نوع "فاتح 11″، وهو قادر على حمل رؤوس متفجرة بمدى يتجاوز 300 كيلومتر.
هل كان ردا على مهاجمة نطنز؟
منذ الهجوم الإسرائيلي على منشأة نطنز صدرت تهديدات متصاعدة بأن طهران سترد، لأن الهجوم تجاوز الخطوط الحمراء، وقفزة خطيرة في سلسلة الهجمات الإسرائيلية التي استهدفت مشروع إيران النووي خلال السنوات الأخيرة.
ولذلك ينظر الإسرائيليون لما جرى قرب مفاعل ديمونة بأنه رسالة إيرانية مفادها بأن مناطقهم الحساسة ليست محصنة، واستهدافها بات ممكنا ومتاحا، بما في ذلك المواقع النووية.
هل كشف الهجوم عن ثغرات دفاعية إسرائيلية؟
أخطر ما كشف عنه الهجوم في إسرائيل هو اللوم الموجه للمنظومة العسكرية، لأنها لم تستطع اعتراض الصاروخ، رغم أن الجيش الإسرائيلي لديه القدرة على القيام بذلك، على الأقل وفق مزاعمه.
في الوقت ذاته، وضعت الأوساط العسكرية الإسرائيلية احتمالا بأن نظام الاعتراض الذي استخدمه الجيش لم يكن مناسبًا، وبالتالي لم يصب الصاروخ المضاد للطائرات، مما يتطلب إجراء تحقيق معمق حول سبب عدم اعتراضه، والتعرف على أسباب هذا القصور على المستويين الفني والبشري.
هل غيرت إيران سياستها تجاه الضربات الإسرائيلية؟
دأبت إسرائيل خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة على تكثيف ضرباتها باتجاه المشروع النووي الإيراني في قلب طهران من جهة، وضد الوجود العسكري الإيراني في سوريا من جهة أخرى، ضمن إستراتيجية "المعركة بين الحروب"، دون أن تواجه بردود انتقامية من إيران وسوريا، مما شجعها على تكثيف ضرباتها نحوهما، وصلت إلى 50 هجوما في العام 2020 لوحده.
لكن الهجوم الأخير على المنطقة المحيطة بمفاعل ديمونة يكتسب خطورة استثنائية من وجهة النظر الإسرائيلية لأكثر من سبب، أولها أنه يكسر قاعدة "امتصاص الضربات" التي انتهجتها إيران وسوريا، وثانيها أنه استهدف موقعا نوويا لم يقترب إليه أحد من أعداء إسرائيل من قبل، وثالثها أنه حمل رسالة إيرانية مفادها إمكانية الوصول إلى "حافة الهاوية".
هل شكل الهجوم خطورة استثنائية لدى إسرائيل؟
يأتي الهجوم على المنطقة المحيطة بمفاعل ديمونة سابقة تاريخية في صراعات إسرائيل العسكرية في المنطقة، كون الحديث يدور حول منشأة نووية سرية، ضمن برنامج الأسلحة النووية غير المعلن عنه، وهي موطن لمختبرات تحت الأرض عمرها عدة عقود، واستخدمت لصنع الأسلحة الخاصة ببرنامج القنبلة النووية الإسرائيلي.
وقد بدأت إسرائيل بناء هذا الموقع النووي سرا أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، بمساعدة سرية من الحكومة الفرنسية، في صحراء خالية بالقرب من ديمونة على بعد 90 كيلومترا جنوب القدس المحتلة، وترجح التقديرات الدولية حيازة إسرائيل لما يزيد عن 200 رأس نووي.
ما ردود الفعل الإسرائيلية؟
بينما التزم رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الصمت حتى هذه اللحظة، توالت ردود الفعل الإسرائيلية، وكان أبرزها لوزير الجيش بيني غانتس، الذي وصف الحادث بأنه "معقد"، معلنا إجراء التحقيق في فشل اعتراض الصاروخ.
في حين علق وزير الحرب السابق ورئيس حزب "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان بالقول إننا "نشهد شللا حكوميا، وتآكلا لقوة الردع الإسرائيلية، لأنه كان من الممكن أن ينتهي الحدث بشكل مختلف تماما".
كما حذرت أوساط عسكرية إسرائيلية من السياسة التي اعتمدها نتنياهو في الآونة الأخيرة المتمثلة في كسر "الغموض" تجاه مهاجمة المواقع الإيرانية، لأنها قد تكلف إسرائيل باهظا، من حيث حشر إيران في الزاوية وإجبارها على الرد والانتقام، وتتوج ذلك بمهاجمة منشأة نطنز النووية، التي مثلت ذروة العمليات العسكرية الإسرائيلية السرية ضد المشروع النووي الإيراني.
كيف سترد إسرائيل؟
فور إطلاق الصاروخ على المنطقة المحيطة بمفاعل ديمونة النووي، ضرب الجيش الإسرائيلي أهدافا عدة داخل سوريا.
لكن ليس من الواضح بعد مرور أقل من 24 ساعة ما إذا كان الرد الإسرائيلي على مهاجمة المنطقة المحيطة بمفاعل ديمونة النووي سيكتفي بهجوم "رمزي" على مواقع في ريف دمشق.
والحديث يدور الآن عن استهداف أحد مراكز القوة الإسرائيلية، واختراق عسكري لما تعتبره إسرائيل معلما سياديا لها.
ما تأثير الهجوم على مفاوضات النووي؟
يصعب على المرء عند قراءة هذا الحدث الاستثنائي، ومدلولاته العسكرية والأمنية، عدم الأخذ بعين الاعتبار العامل الزمني، حيث يرتبط الهجوم بدخول مفاوضات فيينا بشأن النووي مرحلة حرجة، مما قد يترك تأثيره بشكل أو بآخر على مجرياتها.
كما يتزامن الهجوم على ديمونة مع التحضيرات الجارية لسفر وفد عسكري أمني إسرائيلي رفيع المستوى إلى واشنطن لتحذيرها من مغبة العودة إلى الاتفاق النووي، مما يعني أن هذا الهجوم قد يشكل مادة تحريضية لهذا الوفد على إيران لدى الإدارة الأميركية.
كما يأتي هذا الهجوم بعد تحذير أميركي لإسرائيل في الأيام الأخيرة من زيادة "ثرثرتها" حول الهجمات على المواقع الإيرانية، مما حمل رسالة قاسية من واشنطن إلى تل أبيب.
المصدر: الجزيرة